الفصل الثامن عشر

1.7K 78 16
                                    

فأذاقني النجوى " بين نارين "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نزاع وصراخ وركض يمينًا ويسارًا، حالة من الرعب سيطرت على المحتجزين جعلتهم كالسُكارى يترنحون بهلع وفزع، ينظرون لذلك الجسد الذي أخذ يتحرك بعنف وارتجاج تخرج منه الروح بصعوبة، دلف أفراد العساكر على الصوت العالي فهالهم مظهر الشاب المسجى أرضًا، منحور الرقبة، تنتفض أطرافه بيأس كالخروف المذبوح يرجو الخلاص بين دمائه المتناثرة، صاحت الأصوات عاليًا مشيرة لذلك الرجل الذي دلف منذ قليل بأنه هو الفاعل، أخذ العساكر يبعدون الناس عن دائرة الجريمة محاولين السيطرة على حالة الهرج التي عمت الحجز.

وعند باب الحجز، خرج الرجل ملثمًا حتى صافح أحد العساكر يناوله شيئًا ملفوفًا، نفس العسكري الذي تشاجر معه في مسرحية هزلية أمام القسم ليساعده في الدخول، ابتسم له العسكري ابتسامة كريهة وهو يتفحص لفّة المال ثم ما لبث أن دلف منضمَّا مع العساكر المتوترة.

في المكتب...
نهض زياد من فوق مقعده هاتفًا بحدة: ما تشوف يابني ايه اللي بيحصل في الحجز، ايه الصوت ده!

جاء أحد العساكر مهرولًا ليهتف بتوتر: الحق يا زياد بيه، في واحد اتقتل في الحجز !!

استدار من خلف مقعده خارجًا من الغرفة بسرعة، يتبعه عسكريان بسلاحهما الميري، سار في الرواق المؤدي إلى غرفة الحجز والتي كانت مفتوحة ويسدها ثلاثة عساكر منعًا لهروب أي شخص، أزاحهم بعنف يهتف بالجميع أن يلزم الصمت إلى أن تسمر مكانه، وهو يرى من قُتِل !!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فتحت شباك غرفتها سامحة للهواء الصباحي بأن يحتل الغرفة، ينشر نسماته العليلة بين أرجائها، استدارت وهي تمد يديها تجمع خصلاتها البنية في كعكة مستديرة أسفل رأسها ثم خرجت من الغرفة لتتقابل مع والدتها.

- صباح الخير يا ماما.

قالتها هدير بصوت خافت هادئ لوالدتها الجالسة على أحد المقاعد، متلحفة بالسواد، تمسك بين يديها المصحف وتقرأ منه وردها اليومي كعادتها كل صباح منذ أن انتقلوا إلى تلك الشقة الصغيرة بالقاهرة، فمنذ أن توفى والد هدير وهي قد قررت مغادرة المنصورة، بل مغادرة المحافظة نهائيًا، بكل من فيها، بكل أناسها الذين لا عمل لهم سوى الحديث على الناس، ولا شاغل لهم إلا الخوض في أعراض البشر، تاركة حياتها القديمة خلفها وباحثة عن حياة جديدة، وأمل جديد، ولكن كيف؟
كيف لهذا أن يتم وما حدث منذ شهرين لا يبارح عقلها؟ كيف تنسى الشعور الموحش الذي استولى عليها في ذلك الوقت؟ كيف تنسى دموعها التي انسابت على خديها بانكسار وخزي؟ كيف تنسى شخصًا كان العالم ومن فيه وقد كسرها كسرًا لا يُجبَر؟ ذبح قلبها بسكين بارد دون أن يعبأ بصراخه المعذب المستغيث.

فأذاقني النَّجوىٰ (الجزء الثاني من همسات العشق)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن