الفصل السادس والثلاثون

1.2K 69 17
                                    

فأذاقني النجوى "نَفسي نَفسي"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دلف أحمد إلى شقته وأغلق الباب خلفه لينادي بصوت عالٍ مرح: فجر حبيبتي أنا جيت.

رمى مفاتيحه وهاتفه فوق المنضدة بمنتصف الصالة وهو يفك رابطة عنقه بإرهاق ليتجه إلى غرفة النوم وهو ينادي عليها مجددًا لكنه توقف حينما لم يجدها، عاد وطرق فوق باب الحمام لكنه لم يسمع صوتًا ففتحه فلم يجدها، عقد حاجبيه بقلق ليتجه إلى الخارج ثم جذب هاتفه من فوق المنضدة وقام بضرب رقمها ووضع الهاتف فوق أذنه بعصبية وهو ينظر للساعة التي تشير إلى التاسعة مساءً، يفكر إلى أين ذهبت في مثل هذا الوقت وكيف تخرج دون علمه لتتركه والقلق يأكله.

انفتح الخط فصاح بعصبية: انتي فين يا فجر وازاي خرجتي من غير ما تكلميني !
سمع صوت أنفاس متقطعة تأتيه عبر الهاتف فتصلبت ملاحه وهو يهمس بتوتر: فجر.. فجر انتي سمعاني.. انتي فين؟

جاءه همسها وهي تردف بصوت مقتول: اا أحمد... الحقني !!

ثم انغلق الخط لتتركه واقفًا بمنتصف الشقة مصدومًا، حتى وقع الهاتف من بين أصابعه المتصلبة...!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أغلق الضوء لتعم العتمة الغرفة فأعاد ظهره للخلف ليستند إلى الفراش وهو يحدق أمامه بنظرات خاوية حزينة، يتساءل إلى أين ذهبت وتركته، يشعر بالوحشة في تلك الغرفة التي تطبق جدرانها فوق صدره، حاول التنفس بصورة طبيعية لكنه لا يستطيع فقلبه يؤلمة وأنفاسه تأبى الخروج في غيابها، لن يجعلها تبتعد عنه أكثر من ذلك، وإن بقي ما تبقى من عمره يراضيها فسيفعل دون كللٍ أو مللٍ.

التقط عكازه من جواره واعتدل ليهم بالنهوض لكنه وجد الباب ينفتح، نظر خلفه ليجدها تقف عند الباب تتجسد حدود جسدها أمامه في الظلام، دلفت الغرفة وأغلقت الباب خلفها ثم تقدمت من الفراش فاتضحت ملامحها أمامه، تعلقت عيناه المترجية بها وهي تقترب دون أن تنظر إليه، مالت عليه فانتفض قلبه حينما وصله شذاها الخلاب ليغمض عينيه تاركًا روحه لتستمتع بهذا القرب المُتمنَّى، لكنه شعر بالفراغ والهواء البارد يلسعه حينما ابتعدت ففتح عينيه ليجدها قد التقطت شريط الدواء من فوق الكومود بجواره وهي تخرج منه حبتين في جوف كفها.

التقطت كوب الماء من فوق الكومود ثم مدته له مع الحبتين لتردف بصوت جامد دون أن تنظر إليه أيضًا: معاد الدوا بتاعك.

ظل يحدق بها وبعينيها التي تنظر بعيدًا متحاشية له فعقد حاجبيه بألم من جفائها، وما آلمه أكثر هي حالتها الضعيفة الهشة، مازالت آثار الدموع عالقة بأهدابها والسواد يحيط بعينيها الكابيتين، نظرت له حور حينما طال صمته فوجدته ينظر لها لتبعد وجهها مجددًا هاتفة بضيق وهي تحرك كفها إليه: اِمسك !

فأذاقني النَّجوىٰ (الجزء الثاني من همسات العشق)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن