الفصل الثالث عشر

1.6K 60 32
                                    

فأذاقني النجوى
ـــــــــــــــــــــــــــ

لا يعرف كم ساعة استغرقها في طريق سفره، عشرون ساعة أو يزيد للمسافة بين مصر وسيدني، ولشدة تلهفه كان الوقت يمر ببطيء كاد يصيبه بنوبة هلع، وكلما حاول النوم في الطائرة تنتابه الكوابيس المرعبة عن فجر، وعما يحدث لها بغيابه، فينتفض وتتوسع عيناه آبية النوم، مجافية له.

وها هو يتوفف أمام باب شقتها، يشعر بأن ضربات قلبه ستتوقف هي الأخرى، ضرب الباب بقبضتيه الأثنتين ولكن ما من مجيب، أخرج هاتفه وتناول رقم هاتفها ليعيد الاتصال عليها للمرة الألف، أو ربما أكثر، وما من مجيب أيضًا.

مهلًا!!
ها هو يسمع رنين هاتف بالداخل، إذًا هي بالداخل، فلماذا لا تجيب؟
أأصابها مكروه؟!
أفقدته الفكرة صوابه كليًا ليطرق على الباب بيديه وقدميه حتى كاد يخلعه وهو يصرخ: فجر، فجر انتي جوا؟ افتحيلي يا فجر!

دقيقة مرت وهو يطرق ويركل ويصيح كالثور الهائج حتى انفتح الباب ببطيء شديد، يصدر صريرًا رفيعًا بثّ الرعب بجسد الآخر، ولكن هذا لا يقارن بالفزع الذي انصب عليه حينما طالع تلك الواقفة أمامه.

رآها وهي تنظر إليه، أو ربما لا تنظر إليه بل هي ساهمة شاردة، خصلاتها الصفراء المموجة التي كانت تحتوي وجهها وكتفيها بحرية وحيوية معكوصة للخلف وباهتة، خضرة عينيها مطفأة تحاوطها شعيرات دموية وكأن صاحبتها لم تنم منذ سنين، وجهها شاحب كمن كان ميتًا ولتوه قد استعاد الروح.
مومياء، يرى أمامه مومياء ساكنة هامدة بلا حراك ولا حياة، ببساطة يرى شخصًا ميتًا.

نطق بخفوت وبلسان أثقلته الصدمة: فجر!!

نظرت في عينيه لتهتف بصوت مبحوح لم يخرج من حنجرته منذ أمدٍ بعيد: ماما ماتت يا أحمد!

قالتها وخارت قواها لتقع أرضًا فتلقفها أحمد بحضنه، بخوف أفزع قلبه المُرهَق، وبينما صوته يشق الصمت ينادي باسمها بحرقة ولوعة كانت الفجر تذهب بسبات مظلم، وحده الخالق يعلم إن كانت ستصحو منه أم إنه السبات الأخير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دلف بهيبته المخيفة الخاطفة لأنفاس كل كبير وصغير، هيبة لم تنقص على مر السنين بل ازدادت كثيرًا، فهو كان ومازال وسيظل صقرًا جريحًا ترتجف منه أواصل البشر.

تقدم من مكتب الضابط ليهتف بقوة في العسكري الواقف بالخارج معرفًا عن هويته: العقيد زياد طنطاوي.

العسكري: ثانية واحدة أبلغ الباشا.
فتح العسكري الباب ليؤدي تحيته العسكرية قبل أن يهتف: العقيد زياد طنطاوي أخو المتهم براء طنطاوي واقف برا يا باشا.

لم يكمل جملته حتى كان زياد يقبض على عنقه بقبضة واحدة فولاذية اختنق الآخر منها، اقترب بوجهه من هذا المسكين ليردف بشر: براء باشا طنطاوي مش متهم، خد بالك من كلامك بعد كده!!

فأذاقني النَّجوىٰ (الجزء الثاني من همسات العشق)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن