الفصل الخامس والأربعون

1.2K 47 1
                                    

فأذاقني النجوى
ــــــــــــــــــــــــــــ

صمت لف كل الواقفين وهم ينظرون للطبيب بنظرات مصدومة وكأنهم لم يسمعوا ما قاله الآن، نهض ببطء فوق قدميه التي صارت هلامًا لكنه نجح ليقف ثم اتجه بخطوات وئيدة للطبيب الذي وقف يطالعه بأسف، توقف براء أمامه وقبل أن يسأله أن يعيد على مسامعه ما نطق كان الآخر يعيدها من تلقاء نفسه: البقاء لله في طفلين من الأربعة.

شعر براء بأن الطبيب صوّب سهمًا مشتعلًا في قلبه للتو، نفى برأسه دون تصديق حتى وجد الممرضة تخرج من الغرفة وهي تحمل على ذراعيها الاثنين الطفلين الذين لم يُكتَب لهما العيش، ملفوفين بملائتين بيضاوتين، تقدمت من براء الذي تجمدت أطرافه حينما وقعت عيناه على طفليه، مد كفيه بصعوبة يحملهما فوضعتهما الممرضة بحرص شديد في حضنه وهي تقول بأسف لحالته: البقاء لله، لازم تدفنهم دلوقتي.

تحدث الطبيب مجددًا وهو يربت على كتف براء: ولادة أربعة ساعات بتحصل لكن مش كتير، وبتكون نتيجتها إن الأطفال بتنزل ضعيفة وغير مكتملة وبيبقى صعب كلهم يكمّلوا.

تقدم صالح من الطبيب ليسأله بصوت مهزوز يجاهد ليبقى ثابتًا لكيلا يبكي: طب وبنتي يا دكتور حالتها ايه؟

الطبيب: بعد الولادة عملنا استئصال للرحم اللي كان سبب في كل ده، لكن حالتها مش مستقرة أبدًا وهتفضل في العناية المركزة فترة، ادعولها تقوم بالسلامة وربنا يباركلكم في البنت والولد.

قالها ثم رحل بعد أن طلب من الممرضة إخراج الطفلين الذين مازالا بالداخل فامتثلت له وعادت لتحضرهما.

عاد براء بخطواته للخلف ليجلس على المقعد ومازال ينظر لهما بألم، يتفحص وجهي الطفلين الملائكيين المحمرين وعيونهما المغلقة في سكون، ضمهما إلى حضنه وهو يغمض عينيه بقوة، كم كان يحلم بأن يحتضنهما ليستشعر نبضاتهما ولكن أي نبضات تلك، طفلاه ساكنان في صدره.

مال براء على وجهيهما وهو يضعهم على ذراع واحدة له من شدة صغر حجمهما ليهمس بصوت متحشرج به من الألم ما أكفاه ووفَّاه: ملناش نصيب نعيش مع بعض، لكني عارف إني هشوفكم تاني في الجنة يا حبايبي.

طبع قبلة فوق جبين كل منهما بينما الجميع يقف ويراقبه ودموعهم أخذت بالهطول حزنًا، خرجت الممرضة من الغرفة تحمل الولد والبنت الآخرين فأسرع أحمد ومعه يسر يحملانهما، حمل أحمد الطفل وحملت يسر الطفلة وهي تمسح دموعها وتتفحصها بحب كبير كما الحال عند أحمد الذي ابتسم لرؤية الطفل وقد استعاد ذكرى أول مرة حمل فيها مهد بين يديه وقت مولده، كان صغيرًا ولطيفًا كهذا.

اتجها بهما إلى براء الذي رفع وجهه ونظر لهما وأحمد يقول له بابتسامة حانية: بص يا براء حلوين ازاي.

فأذاقني النَّجوىٰ (الجزء الثاني من همسات العشق)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن