لقاء في القاع

147 12 0
                                    

بارد

خانق

هادئ

هكذا شعر ياسر بالواقع من حوله بعد أن أغمض عينيه لآخر مرة بين يدي حسام ، وآخر ما رآه كان وجوه أصدقاءه الباكية والمصدومة تصغي إلى آخر كلماته.

شعر بأنه يُسحب للأعماق بهدوء وثبات ، كما لو كان في وسط مياه الأعماق في المحيط ، شعور جميل ومريح ، يريد البقاء هكذا ، فلقد نفد وقته على أية حال ، قد مات الآن.

لكن ...
هناك شيء خاطئ.

كيف يشعر بالمحيط من حوله ان كان ميتاً؟

لما لا يزال يتنفس إن كان قد مات؟

والأهم لماذا لا يزال يسمع دقات قلبه؟

" ما الذي.....؟" همس ياسر لنفسه بتعجب.

فتح عينيه ببطء ليقابله الظلام الدامس ، والفراغ الذي يتهاوى به ، شيء سميك كالمياه ، لا يدري ما هو.

ظل يراقب الفراغ دون أي مقاومة ، فهذا الشعور الغريب بالسقوط ببطء لهو حقاً شعور رائع ، لما قد يقاومه؟.

وصل الى ما يبدو أنه قاع هذا الفراغ ، الأرض رخوة للغاية ، ظل مستلقياً عليها مدة طويلة من الزمن ، يريح جسده المتضرر من الحادث ، هو يتساءل ما نوع الحادث الذي جرى أصلاً؟، كان يريد انقاذ الطفلة فقط فكيف انتهى به الأمر هكذا؟ هل صدمته تلك الشاحنة؟.

" أمي...أبي...حسام...مراد...ماهر..." همس ياسر بضعف وهو يفكر كيف ستكون حالهم بعد أن رحل بعيداً عنهم للأبد.

" أنا...آسف...سامحوني...رجاءً" ومع كلماته هذه أغمض عينيه وهربت إحدى حبيساته من الدموع ، لتتلوها الأخريات يحذون حذوها بالإفراج عن أحزانه.

لم يقطعه سوى ذلك الضوء الساطع ، جعله يغلق أعينه بقوة أكثر مما هي عليه ، استقام بسرعة وجلس معتدلاً يغطي عينيه بيده.

الى أن خف الضوء وفتح عينيه مرة أخرى ، لتقابله تلك الشاشة الزرقاء العائمة ، مكتوب عليها بكل وضوح:

"لا تبكِ أيها البطل"

هنا هب ياسر واقفاً على قدميه حذراً من هذا الشيء الغامض ، ولكنه مسح دموعه بسرعة ، فهو لا يحبذ فكرة أن يراه أحد يبكي مطلقاً.

"أيها البطل اعذرني لوقاحتي وارغامك على الانضمام لعالمي ، ولكن أرجو منك أن تتفهم موقفي يا بطلي المغوار"

ظهرت الكلمات أمام ياسر فجأة ، ولكنه لم يتفاجأ فقد شعر أن ذلك سيحدث ، لا يدري لما ولكن هذا شيء مألوف إلى حدٍ ما.

"من أنت؟ ومن تكون يا هذا؟" سأل ياسر بصوته الهادئ مواجهاً هذه الشاشة الغريبة أياً كانت.

" أنا أرخابيلدس.
منشيء أو بالأصح مكتشف العالم الذي سأنقلك إليه.
لا وقت لنا للحديث المطول أيها البطل لذا رجاءً استمع إلي ، فأنت أول شخص يصل إلى القاع منذ أكثر من عشر سنين."

.
.
.
.
.

" وهكذا أيها البطل ، حدث ما حدث ، وهذه هي طبيعة العالم الذي ستذهب إليه ، أتمنى أن تتفهمني وتتفهم قراري بارسالك إلى هناك"

استمع ياسر لقصة أرخابيلدس كاملة وهو يحاول أن يحفظ ويفهم بقدر استطاعته ، في النهاية لم يكن له خيار سوى الاكمال للذهاب للعالم الجديد فعلى ما يبدو لا توجد طريقة للعودة.

" حسناً أرخابيلدس أنا موافق" رد ياسر وقد اشتعلت العزيمة وروح المغامرة فيه لأقصى درجة.

فُتِحَ أمامه باب من حيث لا يعرف أين ، وظهرت رسالة أخرى من أرخابيلدس :

" أيها البطل ، يرجى توخي الحذر فأمامك مهمة خطيرة للغاية ، وكما أخبرتك سلفاً فأنت تعرف أين تجدني.
وأيضاً لقد جهزت لك هدية صغيرة لأنك أول شخص يصل القاع إلي منذ عشر سنين"

ابتسم ياسر وهو يسير نحو الباب وقبل أن يدخل استدار للشاشة والتي تحولت لصورة ثلاثية الأبعاد لرجل شاب في اواخر العشرينيات من عمره ، بشعر وأعين سوداء يرتدي زياً للملوك القدماء.

ابتسم ياسر بحزن وامتنان له وقال " أرخابيلدس ، شكراً لك على كل شيء ، وأعلم أن هذا ليس بالشيء الكبير الذي قد يخفف عنك ولكنني آسف ، آسف لكل ما جرى لك ، آسف لكل المتاعب التي واجهتها ولكل المعاناة والآلام التي تحملتها وحيداً ، أتمنى لو أنني جئت مسبقاً حتى أتمكن من التخفيف عنك ولو قليلاً"

وضع قدماً على الباب وأكمل " إلى اللقاء أرخابيلدس" وهوى ساقطاً على ظهره من الباب.

لم يعلم أبداً كم أن كلماته كانت مؤثرة لأرخابيلدس الذي بكى بصمت بعد ذهابه ، فهذه الكلمات هي ما كان يحتاج سماعها منذ زمن بعيد.

ابتسم أرخابيلدس براحة كمن تحررت روحه أخيراً وتلاشت صورته التي كانت تنير المكان ، ليعود الفراغ مظلماً من جديد ، لا يسمع فيه سوى كلمات أرخابيلدس الأخيرة :"بالتوفيق أيها البطل ياسر"

المؤلفة: Teto_Motdo

Revengers حيث تعيش القصص. اكتشف الآن