كانت كِلْتيهِما تتبادلان النظرات...سيران ببرود والأخرى بملامح صلبة مع كره واضح في أعينها رغم التوتر الذي كانت تبوح به لغة جسدها...ولأن الصمت هذا ازعجها فقد نطقت ببرود :" لا أعتقد أن بيننا دين غير مسدد...لذا وجودك هنا لافائدة منه..."
رفعت سيران حاجبها ببرود :" أنتِ حاولت قتلي..لذا سيكون من العادل أن أرد لكي الأمر مع بعض الفوائد أيضا..أليس كذلك؟!".. وضعت سفينش قدما فوق قدم :" أنا لازلت مصرة على رأيي...فلا يوجد دين بيننا...أنت قمتِ بحركتك وانا قمت بحركتي..."
ابتسمت سيران بهدوء :" حركتي ؟! لا تقولي أنك تقصدين آخر حديث بيننا لأن هذا سيكون غبيا..؟!"
ضمت سفينش يديها لصدرها ببرود :" بل أمر زواجك من سردار بأكمله..لذا لا تدعي عدم الفهم.."
وحينها وقفت سيران من مكانها فأحست سفينش بقلبها قد وقع خوفا رغم ان ملامحها كانت كما هي..فهي اعتقدت ان سيران ستفعل شيئا سيئا لها...لكنها فاجئتها عندما وضعت مسدسها فوق الطاولة و توجهت نحو البار ثم سكبت كأسا من الشراب و عادت لمكانها بكل هدوء وأعين سفينش تتبعها...وحينها وبعد ارتشافها من الكأس قالت بهدوء وبجدية :" هناك شيء اريد ان اعرفه......فكما ترين أنا حقا أتفهم أنك لا تعرفين من أكون لذا ارتكبت حماقة كهذه...لكن أنتِ بالتأكيد تعرفين سردار..فلما أخذت تهديده باستخفاف ؟!"قضبت سفينش جبينها بانزعاج لذكر سردار :" وهل تعتقدين أنني سأخاف من أن يقتلني...لقد كان هدفي التخلص منك وليحدث مايحدث حينها..."وهنا قهقهت سيران بخفة جاعلة من سفينش تتعجب منها في حين هي تابعت بعدها بهدوء :" يا الهي....هذا غريب حقا....انا لحد الساعة لم أفهم سبب كرهك لي...حسنا لقد تزوجت بسردار...لكن هل هذا يجعلك تحاولين قتلي حتى وان كنتِ ستدفعين حياتك مقابلا لهذا..."وضعت سفينش قدما فوق قدم من جديد:" بالتأكيد أنا مستعدة لدفع الثمن...المهم ألا يسعد سردار.ليس بعد مافعله..."وضعت سيران كأسها جانبا و نظرت لسفينش بنظرات غريبة جاعلة من الأخيرة تتحرك مكانها بغير راحة.....بعد مدة كسرت سيران الصمت بابتسامة هادئة :" أنت حقا تحبينها أليس كذلك ؟!.."
قضبت سفينش جبينها باستغراب وغير فهم فتابعت سيران بنفس النبرة :" سيلين...أنت تفعلين هذا من أجلها .....لأن الدافع الوحيد الذي يجعل الإنسان يخاطر بحياته هو الحب..."ابتلعت سفينش ريقها ولمعت أعينها حزنا لكنها سرعان ما أبعدت نظرها عن سيران وقالت بنبرة باردة مدعية القوة :"أرى أنك بدأت تتحدثين بأمور غير منطقية..ناسيةً سبب قدومك..."ابعدت سيران بعضا من خصلات شعرها عن وجهها بهدوء :" هل تنكرين ؟!"نظرت لها سفينش بحدة : " لما أنت مهتمة بهذا ؟! ألم تتزوجي من سردار وتحصلي على مكانتها.....؟!"حملت سيران كأسها من جديد وارتشفت منه وهي تنظر للفراغ بشرود...بينما سفينش كانت تحاول بكل جهدها ان تبقى على غضبها وكرهها وألا تنجرف نحو موضوع ابنتها...لأن ذلك سيضعفها والوقت الآن ليس ملائما ولكن قطع عليها أفكارها صوت سيران الهادئ :" أنت مخطأة...مخطأة كثيرا.....لا أحد أخذ مكانة سيلين.....ولا أحد سيفعل....هي موجودة في كل مكان في القصر...أنا لا أزال أراها بين نظرات عمر التائهة...وفي الحزن الموجود داخل أعين يامور..وحتى خلف برود سردار..لذا توقفي عن تشكيل هذا الوهم وإقناع نفسك به...لأنك تشعرين بالحنين لها أو لأنك تريدين إلقاء اللوم على أحد ما على خسارتك لها.....هذا كان مقدرا....و سيلين لم تعد على هذه الحياة..الموت أحيانا يختار أفضل الناس وأغلاهم.....لأنهم يستحقون مكانا أفضل..لذا اتركيها ترتاح على الأقل...توقفي عن فعل هذا..."
ارتجفت شفاه سفينش واغرورقت أعينها دموعا كأن بكلام سيران سقطت كل حصونها وأقنعتها لذا ردت عليها قائلة بصراخ وبصوت يقطر ألما :" أنا لا أستطيع...لا أستطيع..أنت لن تفهمي هذا...لا أحد سيفعل...الخطأ خطأ سردار...لما تزوجها ؟!...لما لم يبعدها عندما وقعت بحبه ؟!...لما لم يحمها ؟! لما لم ينقذ صغيرتي.....؟! لقد كان يعلم...كان يعلم أن عالمه لن يلائمها....ومع ذلك تمسك بها....والآن أنا من أدفع الثمن...أنا من خسرت....أنا من لاتنام وهي تتذكر كل ثانية قضتها معها....لا أحد له الحق على لومي...لا أحد..." زمت سيران شفتيها بهدوء رغم الحزن الذي اعتمرها اثر ما قالته سفينش وظلت تراقبها وهي تغطي وجهها بيديها تبكي بحرقة...لقد كانت متأكدة أن خلف كل هذا الغضب الأعمى حزن أعظم....فلا توجد أمٌّ ستتعامل مع وفاة ابنتها الوحيدة بشكل عاقل منطقي....فالموت لا يوجع الموتى بل يوجع الأحياء..كما يُقال.....ولأنها أم فألمها مضاعف....لهذا لم تجد سيران كلمات مناسبة لتواسيها بل تركتها تفرغ ما في قلبها....بكت وبكت حتى جفت دموعها ولم يتبق سوى شهقات خفيفة منها ...بكت كأنها لم تبك يوما.....بكاءا كان ممزوجا بأنين وعذاب........وكل هذه المدة سيران لم تصدر صوتا....اكتفت بحضورها فقط....أحيانا الشخص لايحتاج كلمات مواساة في أشد لحظاته ضعفا...بل يحتاج كتفا يستند عليه...يدا تمسح دموعه...أو وجودا يشعره أنه ليس وحده....
وفجأة أزالت سفينش يديها من وجهها ورفعت رأسها فلاحظت سيران احمرار انفها ووجنتيها وانتفاخ اعينها..مع تلك الدموع التي كانت تسيل بصمت..لكن ليس هذا ما أحزنها بل نبرة صوتها التي خرجت منكسرة وبهمس :" ...لقد عذبوها....صغيرتي تألمت....صرخت...و نزفت....لم تمت بسلام....لا بد أنها كانت خائفة...ووحيدة... ابنتي التي ولدتها وحملتها بيدي هاتين وهي بحجم الدمية...دُفنت أمام عيني....شعرها الأشقر الجميل الذي كنت أسرحه لها كل صباح صار أحمرا بلون دماءها.....جسدها الذي كنت أخاف عليه أن يُخدش كان مشوها في كل مكان...أعينها الجميلة التي كانت تلمع سعادة ومرحا....أصبحت خاوية باردة...هل تعرفين كيف شعرت وأنا أراها كذلك ؟!...شعرت أن هذا العالم صار تافها جدا....وأنني مستعدة لأدفع عمري ألف مرة لأسمع قلبها ينبض من جديد....أن تفتح أعينها فقط لأخبرها كم أحبها وأنني فعلت كل شيئ لمصلحتها....أنني أشتاقها وأنني لا شيئ بدونها
لكنها لم تفعل...لقد رحلت....رحلت للأبد...."
أنهت سفينش حديثها وهي تنظر للفراغ بشرود ودموعها تنزل بصمت....بينما سيران كانت تنظر لها بهدوء..فقط بهدوء...لأنها ورغم مايحدث هي دوما تجيد إخفاء مشاعرها...وحتى الآن ورغم الحزن الذي شعرت به نحوها إلى أنه لم يظهر على تعابيرها بتاتا....خرجت سفينش من شرودها ونظرت لسيران بأعينها المحمرة :" والآن وبعد كل هذا..تخيلي أن أجد أنه قد تزوج مجددا...تزوج مجددا بهذه البساطة....كأن ابنتي لم تكن يوما...كأنها لم تمت بسببه وبسبب مكانته...هل كنت تتوقعين أنني كنت سأنسحب وأتركه يعيش بسعادة بعد أن أخذ مني سعادتي ؟!...قتلك كان هو الحل الوحيد...وأنا لم أندم أبدا لأنني فكرت بهذا..."نظرت سيران لها وهي تشبك أصابعها مع بعض بهدوء:" هل تعلمين لما تكبدت عناء المجيء لهنا بنفسي....وأنا جالسة الآن أستمع إليك..رغم أنه كان بإمكاني أن أترك سردار يقتلك كما أراد...أو أرسل بعضا من رجالي لينهوا أمرك بسبب مافعلته ؟!" لم ترد سفينش عليها بل نظرت لها بهدوء بأعينها المحمرة آثار البكاء لاتزال مرتسمة على وجهها بوضوح...لذا تابعت سيران بجدية :" لسبب وحيد وهو أنني أدين لسيلين بمعروف....هي منحتني سعادة في يوم من الأيام وأنا أردها لها الآن..."
ظهر التفاجئ على وجه سفينش اثر ما سمعته ودون وعي منها وجدت نفسها تستفسر قائلة وهي تمسح دموعها بيدها :" ماذا ؟!..ماذا تقصدين ؟!..هل كنت تعرفين سيلين ؟!..."نهضت سيران من مكانها ووضعت يديها في جيب سترتها بهدوء :" لا أعتقد أن هذا الجواب سيغير شيئا.....أخبرتك أنني أتيت لأسدد الدين...وها أنا سددته...لقد منحتك فرصة من أجلها واستمعت لوجهة نظرك...لذا عملي هنا انتهى..."
وبهذا نظرت سيران لها نظرة أخيرة والتفتت لتغادر لكنها توقفت فجأة وذلك عندما سمعت صوت مسدس خلفها فابتسمت واستدارت لتجدها تصوب مسدسها الذي تركته فوق الطاولة نحوها ببرود :" هل تريدين اقناعي أنك لم تأت هنا لقتلي..و فوق هذا تريدين المغادرة ببساطة...؟! أخبريني ما الدافع الحقيقي لقدومك...؟! "تقدمت سيران نحوها أكثر دون اي ذرة خوف حتى لم يعد يفصل بين فوهة المسدس وجبهتها سوى انشات قليلة وقالت بهدوء وبحاحب مرفوع :" وأنتِ هل تريدين إقناعي أنك ستطلقين النار علي ؟!"زمت سفينش شفتيها وحاولت تصنع القوة لكن ارتجافة يديها الخفيفة فضحتها وذلك التردد في أعينها كذلك.. القتل ليس سهلا من هب ودب يقوم به... وسيران تعلم انها وإن أرسلت رجالا لقتلها فهي غير قادرة على ازهاق روح بنفسها..لذا ابتسمت و أخرجت شيئا من جيبها جعل سفينش تتفاجئ مجددا....لقد كان خزان الرصاص الخاص بمسدسها...مما يعني أن المسدس كان خاوي من الرصاص أصلا....مدت سيران يدها ونزعت المسدس من يد سفينش :" أخبرتك أنني لم آتي لقتلك سيدة اغلو...."قضبت سفينش عينيها بغير فهم لتصرفات سيران الغير متوقعة بينما هذه الأخيرة وضعت الخزان داخل مسدسها ولقمته من جديد ثم وضعته خلف ظهرها دون أن تزيل أعينها عن أعين سفينش :" أنا الآن سأغادر...تذكري أنني منحتك الفرصة..وهي واحدة لن تُكرر...ان حدث هذا الأمر مجددا سأعود... وحينها لن يكون المسدس فارغا...."
لم تجب سفينش عن هذا بل نظرت لسيران بنظرات أخرى..نظرات هادئة ولم تحمل نفس الحقد والغضب السابق فاتخذتها سيران كإشارة بأن رسالتها قد وصلت لذا أضافت بنفس النبرة :" أنا أريد أن أنصحك نصيحة أخيرة......استغلي هذا الوقت وفكري فيما حدث وفيما ارتكبته....وعندما تتفهمي الأمر وتتقبليه...حينها سترين الأمر بشكل أوضح..
.وستعلمين أن سيلين عندما رحلت تركت لكي قطعتين منها........لذا قدّري أهمية هذا قبل أن يفوت الآن...كما حدث سابقا..." كانت هذه هي آخر كلمات سيران قبل أن تغادر الغرفة نهائيا تاركة سفينش تمسك بالأريكة الأقرب اليها وتسند جسدها عليها...وهي تبكي بصمت متمعنة في ما قالته لها.
.رغم انها لا تستطع تقبل فكرة مسامحة سردار...الا انه هناك شعور بالذنب يوغزها كلما تذكرت أحفادها الصغار وكيف انها لم تهتم بهم بالشكل الكافي...
أنت تقرأ
التوأم İkiz
Mystery / Thrillerهذه الرواية مقتبسة من رواية اخرى❤ قد نكون اخوة من أماً واحدة، أجل نحن توأمان متطابقان نشبه بعضنا لدرجة لا تستطيع ان تفرق بيننا حتى ندبات الجسد و الوشوم متطابقه كأننا شخص وانقسم الى اثنين، لكن جوهرنا يجعلك تجزم اننا لا علاقة لنا ببعضنا افعالنا مثل ج...