الفصل الثامن والثلاثون

202 15 26
                                    

لا تنسوا ذكر ﷲ تعالى، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

*****

الفصل الثامن والثلاثون.

وبعد مضي ربع ساعة، توقفت سيارة فراس أمام منزل خاله محمد، فترجلت منها والدته على عجالةٍ كادت أن تُسقِطها، فنبهها فراس وقد ساد وجهه القلق:
- انتبهي يا أمي، لا داعي لكل هذا القلق.

أسندت الأخيرة نفسها إلى باب السيارة ثم قالت بتوترٍ يشوبه الضيق:
- كيف تريد مني ألا أقلق؟ صوت صراخ خالك أسمعه من مسافة بعيدة.
وما أن فرغت من حديثها حتى سارت باتجاه منزل شقيقها بخطواتٍ واسعة وسريعة، يتبعها حجابها الذي انفكَّ من أثر خفة خطواتها.

فرك فراس جبينه بتعبٍ، متذكرًا الرسالة التي وردته من خالته زهية والتي تخبره فيها بأن خاله قد علم بذهابهم إلى مركز الشرطة.

في الحقيقة، لا يهمه ما يحدث لهم، فهم يستحقون أن يُصب عليهم جمّ غضبه، لكن خاله يعاني من ارتفاع ضغط الدم الحاد، ولن يكون من الجيد أن تمتلكه النرفزة.

****

أما في الطرف الآخر، وفي بيت الحاج محمد، فكانت جدران المنزل تهتز وترتعد من صدى صوته العالي، فبعد أن زل لسان ريما وأخبرته - في لحظة جهل أو غباء منها - بذهابهم إلى مركز الشرطة، انقلبت جلستهم الدافئة والهادئة إلى إعصارٍ هائج، جعلهم جميعًا يلتزمون الصمت... وهل لديهم خيارٌ آخر؟

- في آخر أيام حياتي تدخل شقيقتي وابنتي إلى مركز الشرطة؟ ويا ليت الأمر كان بسيطًا؛ بل في قضية تحرش!
وبوجهٍ محمر وفكٍّ مشدود، صاح الحاج محمد في وجه ابنيه وشقيقته، فنظروا بأعين مرتعبة نحو الخالة فاطمة منتظرين منها - كما هو الحال دائمًا - تهدئته، لكن هذه المرة أشاحت ببصرها عنهم في وجوم، فما فعلوه حقًا لا يمكن السكوت عليه، لقد طفح كيلها من تصرفاتهم اللاعقلانية.

أما مريم وعثمان، فقد حاولا - رغم خوفهما من غضبه - إخماد لهيب ثورانه، إلا أنهما فشلا فشلًا ذريعًا؛ حيث رمقهما الأخير بنظرة حارقة جعلتهما يبتلعان كلماتهما في جوفيهما.

أردف الحاج محمد بنبرةٍ متهكمةٍ لم تخلو من الاستياء:
- إذن، متى كنتم تنوون إخْباري؟ إلى أن أوارى تحت التراب؟

ولم يكمل كلمته حتى قاطعته زوجته ورفيقة دربه، منتفضةً من مكانها بخوفٍ:
- أطال الله في عمرك، لا تقل هذه الكلمات المشؤومة.

- ذكر الموت لم يكن يومًا شيئًا مشؤومًا.
نفى الحاج محمد عندما وصلت إلى مسامعه كلمات زوجته ثم وجه حديثه الحاد نحو ابنه سفيان:
- كل هذا بسببك!

- بسببي؟ ماذا فعلت أنا؟
تفاجأ سفيان من اتهام والده له، فهو لا علاقة له سوى أنه لحق بهما إلى المركز، ولم يعجبه أيضًا تصرفهما في عدم إعلامهم بالموضوع منذ بدايته!

رواية صفاء الروح 🥀حيث تعيش القصص. اكتشف الآن