3. لقاء غير متوقع

764 34 1
                                    

«عودة بعد الفراق»
«الفصل الثالث»
«لقاء غير متوقع»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ذلك الفتى الصغير، الذي لم يكن يفهم ماذا تعني المشاعر في وقتها، ولكنه أحبها بل عشقها، وهي تلك الفتاة الصغيرة التي لم تعرف ما معنى التعلق تعلقت به، وأصبحت تشعر أنه الكون كله بالنسبة لها، نظر لها «آسر» بأعين تفيض منها العبرات، ثم إبتسم إبتسامة صافية وفتح ذراعيه وهو يذهب بإتجاهها ويغني بصوته تلك الأغنية التي وصفتهم، ووصفت عشقهم الذي دام لسنواتٍ عدة:

عشنا و شفنا اليوم اللي اشتقناله واحضني قصاد الناس يا حبيبي وماله ما بقينا لبعض خلاص

قال حديثه ثم سحبها لصدره بقوة، ودفن رأسه بعنقها يشم عبيرها ورائحتها الذاكية، يحتضنها بكل قوة وكأن العالم كله قد انزوى خلفهم، كان وجهه مشرقاً بفرحة لا تُوصف، وكان يذرف الدموع التي تتلألأ في عينيه، تعبيراً عن سعادة لا تُقاس، احتضنهما لحظة انصهرت فيها كل المشاعر، كان «آسر» يشد على «مريم» وكأنها جزء من روحه، وكأنه يخشى أن يختفي كل شيء في لحظة، كان قلبه ينبض بسرعة، وكان يشعر كأنه في حلم، وكأن اللحظة التي يعيشها هي شيء قد لا يتحقق مجدداً، أطبق ذراعيه حولها بشدة، وكأن هذا الاحتضان هو الرابط الذي يربطه بالأرض وبالواقع، خائفاً أن يستيقظ من هذا الحلم الجميل، وأن يكتشف أنه كان وهماً، كان صوته خافتاً ومخنوقاً بالعواطف، عندما همس لها في أذنها:

أقسم بالله ما مصدق أننا وصلنا للمرحلة دي، حاسس اني هموت من كتر الفرحة، خايف يكون كل دة حلم واصحى منه، ساعتها معرفش ممكن يحصلي ايه.

كانت دموعه تنساب بهدوء، لكن تعبير وجهه كان يشع فرحاً عميقاً، وكأن الحياة قد أعطته هدية ثمينة لا يمكنه تقدير قيمتها سوى بالاحتضان القوي الذي لا ينوي تخفيفه، بينما هي كانت تبكي بشدة في صدره، حتى إرتفعت شهقاتها والجميع ينظر لهما بتأثر وحب، جميعهم شاهدين على تلك القصة التي إكتملت الآن، وكم السعادة التي في قلوبهم من أجلهما، كانا يبكيان بشدة وكأنهم يخشوا أن يكون كل هذا حلمًا في النهاية، مشاعرهم متخبطة ممزوجة بين السعادة والبهجة والعشق، فهما لم يعرفان الحب سوى مع بعضهما، إقتربت منهم «سوزان» وهي تنظر لهم بحنق رغم بكائها الشديد، ثم قالت بسخط:

مفيش اخلاق ولا في تربية خالص ؟

إبتعدا الإثنان عن بعضهما، فنظر لها «آسر» بحنق واحتقن وجهه حتى أصبح ممتعضًا، وقال:

أخلاق دي تبقى خالتك الله يرحمها يا سوزان، من انهاردة مفيش اخلاق، عن اذنك بقى علشان عايز مراتي في كلمتين، واخدة بالك أنتِ مراتي.

شدد على كلمته الأخيرة، وكأنه يريد غيظها وإيصال رسالة مبطنة، رغم وضوحها للجميع، ثم أمسك كف زوجته وتحرك بها نحو غرفتها، وأغلق الباب أمام أنظار الجميع ومنهم من يضحك، ومنهم من يشعر باليأس من «آسر»، الذي لن يتغير مهما حدث، نظرت «سوزان» للباب بصدمة ثم قالت:

عودة بعد الفراق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن