4. قلب الأنثى

572 25 7
                                    

« عودة بعد الفراق »
« الفصل الرابع »
« قلب الأنثى »
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنت بتعمل ايه هنا؟

كلمة واحدة خرجت من فمها بكل قوة وثبات وشموخ، فهي كانت وستظل قوية ولا تظهر ضعفها أمام أحد بتلك السهولة التي يعتقدها، إبتسم هو عندما رأى ما يسميه في قاموسه جحود، رأى «سوزان» القديمة التي لم تتغير ولم يهزمها شيء، وكأنه يحسدها على ما هي عليه،
ثم قال بهدوء:

جاي علشان أشوف بناتي يا سوزان، مش كفاية أنو بنتي اتكتب كتابها وانا مش موجود، على الاقل أقولها مبروك وأشوف عريسنا.

هو أنت مخلوق تنح وبارد كدة، ولا دي وراثة في العيلة؟

إلتفت ينظر لمصدر الصوت فوجده «آسر» الذي يطالعه بنظرات حادة، تجمدت نظراته في ملامح الغضب المتقد، وكأن عاصفة هوجاء عصفت بأعماقه، لتنسف كل مظاهر الهدوء، تقدم منه بخطوات سريعة ثم أمسكه من ثيابه بغضب جحيمي وأعينه تتطاير شرر، إلى الآن يتذكر ما عانته زوجته بسببه، فهو كان شاهدًا على ذلك اليوم الذي ذهب به وتركهم، وكيف كانت تبكي وتتوسل له لكي يبقى، مازال صوت بكائها وشهقاتها يتردد في سمعه، يستطيع سماعه وكأنه كان بالأمس، كان غضبه كالبركان الثائر، يثور في أعماقه بلا هوادة، يهدد بابتلاع كل ما حوله في لهيب سخطه، جز على أسنانه بعصبية ثم قال بصوت جهوري إنتفضت أجسادهم بسببه:

أنت ليك عين تقف قدامها وتقولها أنا أبوكِ، أنت مسمي نفسك أب يا عرة الرجالة أنت

نظر له «خالد» بثبات ثم قال بهدوء لا يتناسب مع الموقف، بل يثير بهدوئه ذاك غضبه أكثر:

احترم نفسك يا آسر وأتكلم كويس أنت بتكلم واحد أكبر منك.

تركه «آسر»، فلقد أصابته نوبة من الضحك، لا يستطيع التوقف فحقًا حديثه مضحك للغاية:

يا عم بقى هو أنت خليت فيها إحترام ولا أدب، أنت اللي زيك عايزين نخلي العيال الصغيرة في الشارع تحدف عليه طوب وتزفه في الرايحة والجاية، متفكرش انو البدلة الحلوة دي خلاص خلتك هيبة ومنظر، أنت قليل أوي في نظرنا كلنا، مهما كبر منصبك هتفضل أرخص حد شوفته في حياتي بعد الراجل اللي اسمه أبويا.

عدّل «خالد» من ثيابه بلامبالاة من حديثه وكأنه لم يتأثر بكل ما قيل الآن، ثم نظر له وقال بهدوء:

مهما تحاولوا تعملوا مريم بنتي حبيبتي، والظروف اللي خلتني اعمل كدة، محدش فيكوا يعرف حاجة

إبتسم «آسر» بتهكم، يحاول تقليد ثباته وبروده لكي يحرقه كما يفعل بهم، على الرغم من النيران التي تشتعل بداخله، ثم قال بنبرة ساخرة:

لا يا خالد باشا مريم مش بنتك، مش أنت اللي كنت بتوديها كل اليوم المدرسة الصبح زي ما كنت أنا بعمل، ولا انت اللي كنت بتدافع عنها لما حد يدايقها، ولا أنت كنت بتحتوي خوفها وزعلها  انت مكنتش موجود في كل دة، بالعكس أنت كنت سبب وجع بنتك، وكنت السبب في عياطها وإكتئابها، انت مقدمتش ليها حاجة لا هي ولا اختها، سوزان هي أمهم وأبوهم، الست دي ضحكت بكل حاجة علشان بناتك يفضلوا عايشين، بعد ما كان معاهاش جنيه في جيبها اشتغلت وقامت بنفسها علشان خاطر بناتها ميتشردوش في الشارع بسبب ابوهم النسوانجي الكييف بتاع الفلوس.

عودة بعد الفراق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن