20. مولود جديد

437 25 5
                                    

« عودة بعد الفراق »
« الفصل العشرون »
« مولود جديد »
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دلف إلى غرفته صافعًا الباب خلفه، خلق جاكيت بدلته راميًا إياه بعنف على الفراش، جلس على طرفه يضع رأسه بين يديه يتنفس بعنف، يشعر بثقلٍ في صدره لا يدري مصدره، وكأن شيئًا يطبق على قلبه، أغمض عينيه محاولًا الهروب من الأفكار المتدفقة التي لا تترك له فرصة للراحة، تذكر نظراتها، ضحكتها الخجولة، يدها المرتعشة حينما تداخلت مع يد خطيبها، شعر بوخزةٍ غريبة تسري داخله، لم تكن غيرةً واضحة، ولا حتى حبًا مؤكَّدًا، بل مجرد اضطرابٍ غريب، أشبه بالغصة التي تزداد مع كل لحظة تفكير، تساءل مع نفسه، لماذا يشعر بالضيق؟ لماذا لم يستطع التظاهر بالابتسامة طيلة الخطوبة؟ إنها ليست المرة الأولى فمن معرفته بخبر خطبتها وتغير حاله، لا يدري لما هذا الحزن العميق؟ هل كان يأمل أن تكون له، أم أن الأمر لا يتعدى كونه كبرياءً مجروحًا لم يدركه إلا حين رأى شخصًا آخر يأخذ مكانه في حياتها، أمسك هاتفه، يتردد بين أن يكتب لها رسالة بسيطة، أو ربما يتصل ليقول أي شيء لا معنى له، لكنه أدرك أنه لا يوجد شيء سيغيّر من الواقع الآن، تأهب جسده ناهضًا من الفراش، ذهب للخزانة الخاصة به وأخرج ثياب أخرى مريحة من ثم دخل للمرحاض، لعله يشعر بالراحة ولو قليلاً ويريح عقله من تلك الأفكار التي ستدمره حتمًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كانت جالسة على حافة فراشها، تضم ركبتيها إلى صدرها، بينما تنساب دموعها على وجنتيها بحرقةٍ لم تذق مثلها من قبل، كانت تظن أن قرارها كان صائبًا، وأنه سيلفت انتباهه، ويشعل فيه الغيرة التي تشتعل بداخلها منذ فترة، لكنها الآن لا ترى إلا صورتها الهشة أمام نفسها، منكسرَةً لا حول لها ولا قوة، كانت تتساءل في خفوت، كيف سارت الأمور بهذه الطريقة؟ كيف وجدت نفسها الآن، مخطوبة لرجل لا تعرف عنه إلا القليل، ورغم ذلك، جلّ ما تفكر فيه هو ذلك الآخر، الذي لم يُبدِ يومًا مشاعره بوضوح، ولم يُعطِها ذاك الأمان الذي تلهث خلفه منذ عرفته، حاولت مرارًا أن تقنع نفسها بأنها اتخذت القرار الأصح، وأنه لم يكن يستحق هذا الحب الذي منحته إياه، لكنها لم تستطع خداع قلبها الذي يصر على التشبث بذكرى كل لحظة جمعت بينهما، انهمرت دموعها بغزارة، تزداد مع كل ذكرى، ومع كل كلمة كان يقولها ببرود، وفي أعماقها كانت تشتعل نيران الغيرة، لكنها كانت غيرة موجَّهة نحو نفسها، نحو ضعفها، نحو رغبتها العميقة في أن يكون هو بجانبها الآن، يمسح دموعها، ويعيد إليها بعضًا من الأمل الذي بدأ يتلاشى بداخلها شيئًا فشيئًا، في تلك اللحظة صدح رنين هاتفها يعلن عن مكالمة هاتفية، رفعت رأسها بهدوء ناظرة للهاتف الذي يوضع أمامها وجدت «محمد» مدت أناملها تمسح دموعها بهدوء، حمحمت تنقي حنجرتها قبل التحدث لكي لا ينكشف أمرها، فتح المكالمة واضعة الهاتف على أذنها وحينها هتفت بصوت ضعيف مبحوح من شدة البكاء :

عودة بعد الفراق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن