« عودة بعد الفراق »
« الفصل السادس »
« خبر كالصاعقة »
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــفي وسط الزحام، حيث تتداخل الأصوات وتضيع الألوان، لاح له مشهد لم يكن يتخيله في أسوأ كوابيسه، على الأرض، كانت حبيبته ملقاة بلا حراك، كأنها زهرة ذبلت تحت أشعة الشمس الحارقة، قلبه انقبض، وكأن صاعقة ضربت صدره، تجمد في مكانه، والوقت حوله بدا وكأنه توقف، ركضت لها السيدات يحاولون مساعدتها ولكنها لا تتحرك عندما شعر بخطورة الموقف وأنه يجب عليه التصرف،ركض نحوها بلهفة وخوف في لحظة كسرت صمته الرهيب، وجهها شاحب، وعينيها مغلقتان، كان الخوف يلتهمه، يشتت أفكاره، ويشعل نارًا في قلبه، عندما اقترب، سقطت دمعة من عينيه، تجمعت على وجنتيه قبل أن تسقط على يدها، لم يضيع لحظة، بل انحنى وحملها بين ذراعيه، كانت خفيفة كنسمة، لكنه شعر بثقل العالم بأسره على كاهله جريًا نحو السيارة، كانت خطواته تتسارع، وكأنه يهرب من كابوس يطارده في كل لحظة، كانت أفكاره تدور حول مصيرها، حول ما قد حدث نزل بها سلالم البناية وهو ينظر لها بمقلتيه الغائرتين وهو يهمس بكلمات غارقة في الألم:
علشان خاطري لا والله ما هقدر يا ميسون بالله عليكِ.
عندما وصل إلى السيارة، فتح الباب بسرعة ووضعها برفق في حضنه، وكأنها أغلى ما يملك، بينما ركب «آسر» في مكان السائق وبجانبه مريم وفي الخلف بجانب «سراج» و«ميسون» «سمية» و«تسنيم» يبكون بصوت مرتفع لا يعرفون كيف حدث هذا ولماذا حدث من الأساس، بينما هو كان في وضع لا يحسد عليه، كانت أنفاسه تتقطع، ودموعه تتساقط كالمطر، بدأ يبكي بحرقة، متمتمًا بالدعاء، "يا رب، احفظها لي، أجرها من كل مكروه." يارب قومها بالسلامة يارب أنا مش هقدر أخسرها يارب، كانت يداه ترتعشان وهو يربت على حجابها، كأنما يحاول أن ينقل إليها حبه واهتمامه، يشدد عليها كالصغيرة ويدفنها بداخل صدره يخشى الفراق الذي يكرهه والذي دمر حياته منذ الصغر،
"يارب !" كان يرددها في نفسه، بينما الألم يتسلل إلى أعماقه، استمر في ترديد الأدعية، وقلبه يدعو بصدق، منتظرًا اللحظة التي ستفتح فيها عينيها، ليعود بهما إلى عالمهم القاسي ولكنه يهون بجانبها، بينما «سمية» كانت تربت على صغيرتها بحنان وهي تبكي بحرقة وخوف عليها، و«آسر» الذي يسارع الوقت يقود السيارة بسرعة جنونية مما يجعل جميع الموجودين في الطريق يفسحون له الطريق ويقفون على جانب بعيد عنه لكي لا يحدث لهم شيء، وكل ما يدور في عقله بأن حياة شقيقة صديقه بين يده وهو المسؤول عنها الآن، ف«وليد» ترك عائلته أمانة لدى أصدقائه وعليه الوفاء بوعده والحفاظ عليهم، ومن ناحية أخرى يفكر في ذلك المسكين الذي يسكنها بين ذراعيه ويدفنها في صدره، وكأنما يخشى عليها من الهواء حولهم، وإذا حدث لها شيء فالجميع يعرف ما الذي سيحدث به هو و«وليد» فهي تعني لهم الحياة.
أنت تقرأ
عودة بعد الفراق
Comédieكنت أظن أن الفراق يجعلنا نفقد القدرة على الحب، لكنه يزداد بمرور الوقت أكثر.