٦٤

492 50 2
                                    

٦٤عقاب
عادت العنود لمبنى آدم وهي تشعر بإنتصار ظنته مستحيل، فهي الآن فقط خطت أولى خطواتها داخل سراديب عقل رجوه وقريباً ستكتشف كل المخارج كما نجحت في العثور على المداخل.
جلست ترتب أفكارها ومن أين ستبدأ، ففكرت فى التقرب لرجوه بطريقة مختلفة وقررت أن تعد لها نوعاً جديداً من الطعام تستلذ به وتشعر بأنها أصبحت ذات أهمية لدى العنود لدرجة انها صنعت لها طعاماً مخصوصاً بيديها، فالمعدة اقرب طريق لكل القلوب والطعام اللذيذ عربون محبة سواء لرجل أو إمرأة.

أما نوف فكانت جالسة تتصفح هاتفها وتتابع كل جديد يحدث في العالم من حولها، وأمهم منشغلة تراسل أبيهم من هاتفها، أما عفراء فكانت في عالم آخر، أمامها كومة صوف وبيدها مغزل وتغزل الصوف تماماً كما تعلمت من فتيات ونساء القبيلة، تنظر للمغزل والصوف المغزول وكأنه عمل بطولي قامت به وإنجاز عظيم،
تتسابق مع نفسها لغزل أكبر كمية ممكنة، ولا تستجيب  لأمها التي تطالبها بأن ترأف بأصابعها وتكف عن الغزل، فلا هم بحاجة مال، ولا الغزل مفروض عليها!
ولكنها سعيدة ولهذا لم تُعر إهتماماً لأي شيء، سواء تعب أو كلام.

في اليوم التالي إستيقظت العنود عند آذان الفجر، صلت وحزمت متاعها وخرجت من الخيمة بعد أن بلغت امها بما ستفعله، وإنتظرت رجوه عند البئر، وماهي إلا دقائق ولاحت رجوه وهي خلف قطيع الأغنام تهشهم، ولما بلغت العنود تبسمت لها وقالت:
-نهارك باهي، ها جاهزه وتقدري تمشين مسافات طِويله ولا ركوب السيارات مخلي رجولك رجيجه وماتقدري تكملي وتبليني فيك؟
- لا لا، انا احب المشي ومشتركه بنادي والف التراك كل يوم مرتين ثلاثه؛ يعني متعوده لا تخافين.

-انا مااعرف ايش القولتيه وتلفين بيه، بس إذا متعودة عالمشي مايهمني وين تعلمتي المشي او كيف، انا اليهمني إنك ماتنامين لي بوسط الرمال وانا اضطر احملك فوق ظهري،ولا اقول.. انا راح ناخذلك حصان معي ووقت تتعبين من المشي تركبيه وتردي للديار.
- لا لا مافي داعي، قولت لك بتحمل ايش فيك، هيا يارجوه ماتعطلينا زيادة انا وااجد متحمسه.
- هيا يالمتحمسه.
وصلتا الوادي، وأخيراااًا، وجلست رجوه وجلست معها العنود وهي تتفحص المكان من حولها، ثم إنتبهت على صوت رجوه وهي تقول:
-أشوف الحماس راح من التعب ولا إيش؟
-لا ماراح، اعرفك تريدين تعرفين السر الدفين، وإن الفضول عندك وصل آخره، الحين انا راح انقول لك سري، اسمعي ياطويلة العمر.. انا من وأنا صغيرة وانا عندي واحد جيرانا مغرومه فيه، وكل مانكبر يكبر حبي له، بس هو مايدري، ولا بيوم شافني ولفتت أنظاره،
أدري إنه مو من مجاويزنا، وادرى إن البدويه ماتتزوج إلا بدوي، بس غصب عني القلب وماحب وهوى، والقلوب ماعليها سلطان وانت اكثر العارفين،
في حين أن فيه شاب إبن واحد من أهل القبيلة يشتغل مع ابي، أبوه وابوي تقدري تقولين إخوة مو أصدقاء، تربينا سوا وكانوا يجولنا ونروح ليهم، وهاد الشب من يومه إعتبر حاله اخونا ومسئولين منه، بس هو كان يهتم بي انا زايد عن الكل،
مع الوقت تاكدت إنه يحبني، وأنا قلبي كان معمي بحب الغريب فما عطيته اي أمل، بالعكس قطعت معه كل حبال الموده وبعدته عني، من بعد ماكان لي اخ وصديق وحارث وملبي لكل رغباتي وطلباتي ويعرف إيش أريد من قبل ماأطلبه اشوفه جايبه وجاي لي ويفاجئني به.
ماأكذب عليك حسيت من بعده بفراغ شديد،
اصبح مكانه خالي وإنحرمت من إهتمامه ورعايته لي، ورحت بوحت للثاني بحبي له،
قام صدني وقال إن قلبه ميال لبت عمه وإني مالي فرصه معه، اقولك الصراحة حاولت معه مره واثنين وعشره، بس هو قافل إني ماأصلح له ولا هو يصلح لي، فبعدت عنه، ورضيت بمقسومي، والحين قبلت بنهوة حد ثالث غير الاثنين.
رجوه:
- وإبن صاحب ابوك مارد لك، ماحاول يرجعك له؟
-للأسف يارجوه بالوقت الأنا كنت اجري فيه ورا السراب هو نفضني من قلبه وراح تزوج وأسس حياة وأشوفه سعيد ومبسوط.
ردت عليها رجوه بتلقائية:
-الله لا يوفقك ضيعتي من يدك الحبيب لجل وهم.. خسرتي والله وخسارتك وااجد كبيره.
تبسمت العنود وردت عليها بهدوء:
- راعي المشكلة مايشوف الحلول اليشوفها غيره يارجوه، ومع الاسف هاد كان كلام الكل لي، إمي وإخواتي وصديقاتي، بس انا ماكنت اسمع إلا كلام قلبي.
- الله يلعنه قلبك الغبي المايعرف شي، وعقلك بعد أغبى.
تنهدت رجوه ونظرت بعيداً وشرد ذهنها،
فعلمت العنود بأنها أشعلت بداخلها فتيل الإدراك، نعم فهي تقصدت إختلاق هذه القصة وقلب الأدوار حتى تستطيع رجوه إصدار الحكم المناسب بنفسها،
وإدارك حجم الخطأ حين وقع فيه غيرها، وبالتالي ستطبق الحكم عليها وتوصم قلبها وعقلها بالغباء، والعنود متاكدة بإن هذا مايحدث الآن، وخاصة حين بدأت رجوه تلقائياً في سرد مغامراتها مع سالم في هذا الوادي بالتحديد،
وكم ضحكت العنود حين قصت عليها رجوه حدث التين الشوكي، وحزنت حين عوقبت بعده بالختان، وإكتشفت العنود أن ما من موقف جميل يحدث مع رجوه إلا وتُعنف بعده من أحد أفراد أسرتها أو من الشيخة عوالي بالطريقة التي تُفسد فرحتها.

رواية عقاب ابن الباديه بقلم ريناد يوسفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن