٦٠

924 78 2
                                    

عقاب ٦٠

عاد آدم أخيراً إلى قصره، إلى حضن أمه وأبيه، جلس بينهم ينعم بالدفىء وهو يستمع اليهم وهم ينقلون له أخبار عمه وزوجته التي يعرفها سلفاً، ولكنه إستمع حتى انتهوا من احاديثهم ثم نظر لأبيه الذي كان يحارب دمعة على طرف عينه كي لا تنزل، فليس هذا المصير الذي تمناه لأخيه أبداً حتى بعد أن فعل به الأفاعيل، فقال له آدم مراعياً لحالته:
- إذا تريد تشوف خوك انا بوصلك ياأبو آدم، اعرف قلبك رجيج وايش مايسوي فيك عمي ماتفرط به، غدوه اخذك له شوفه وإذا قدرت عالسماح سامح.
هو على فراش الموت وعرفت أن نبضه توقف ورجع مره ثانيه، يعني الموت يحوم حوله، أدري انك عامل لي خاطر بس انا اللي اقولك روحله.

لم يصدق محمود أن آدم سمح له آن يذهب لأخيه بهذه البساطة ولم يمنعه، وحمد الله انه يدرك بأن للموت رهبة تُنسي كل شيء، وأن الواقف على اعتابه مُسامح َ.

فأخذه آدم وذهب به في اليوم التالي للمشفى وقد إطمئن قلبه قليلاً؛ فعمه الآن في حالة لا تسمح له بالتفكير في المزيد من الأذى، وزوجته الرأس المدبر لم يعد لها عليهم سلطة.

دلف الاثنين لغرفة يحيي بعد أن إستأذنوا الطبيب، فوجدوه في حالة يرثى لها، نعم يتنفس ولكن عيناه شاخصتان وكأنه في عالم آخر، فتحدث معه محمود بصوت مختنق وهو يمسك بيده:
-. كان جرى إيه يايحيي لو كنا عشنا حبايب وكنت سبتلي مروان ابني وسبت آدم يتربى فحضني وانت كان زمان مدحت ابنك عايش ومراتك جنبك وفحضنك وكلنا فرحانين بولادنا وحصاد عمرنا.. اخدت إيه ياابن والدي قولي.. الفلوس نفعتك انت ومراتك بايه يايحيي.. كان هيحصل إيه لو كنا عشنا زي الناس ومخسرناش أي حاجه؟
اضطربت أنفاس يحيي وشدد مسكة يده على يد محمود ونزلت دمعة من إحدى عينيه وبدا من حركة عينيه وكأنه يجاهد كي يتحدث..
لف رقبته بصعوبة نحو أخيه، إرتجفت شفتاه وكاد ان ينطق، ولكن قاطعه إبنه ياسين الذي دلف من باب الغرفة كالإعصار وأمسك آدم من تلابيبه وبدأ في دفعه للخارج وهو يقول:
- انتو ايه اللي جايبكم هنا، جايين تتشمتوا صح.. جايين تملوا عيونكم وتفرحوا قلوبكم مش كده، فاكرين أنكم انتصرتوا وجايين تحتفلوا بالنصر فوق جثث ضحاياكم!
هدر به عمه محمود قائلاً:
- نصر إيه واحتفال ايه اللي بتتكلم عنه ياحيوان انت، خلاص دماغك مبقاش فيها غير المؤامرات، كل تفكيرك عن الأذى و الشماته، مفيش حاجه في قاموسك اسمها اننا جايين نطمن عليه مثلا؟ وبعدين نصر إيه اللي بتتكلم عنه هو احنا حاربنا من الأساس ولا عملنا حاجه، دا احنا طول الوقت كنا بنهرب من هجومكم وضرباتكم المتواصلة!
آدم كان يتحرك مع ياسين نحوا الخارج دون أية مقاومة ولم ينطق، حتي أصبح خارج الغرفة، فهو يعلم أنه ليس في كامل وعيه بسبب كل ماحدث لعائلته،
ولا يريد أن يُحدث شجار أمام عمه فتسوء حالته اكثر وربما يتوقف قلبه ويموت أمام أعين ابيه ويعلم بأنه لن يتحمل، ولكن آدم هو الذي لم يتحمل حين عاد ياسين للغرفة وهم ان يفعل بأبيه نفس مافعله به، فتحرك وأصبح أمام ابيه في ثانية يحجبه عن ياسين وينظر له بنظرة نارية تخبره بأن الأمر لن يمر مرور الكرام عند أبيه.
فامسك بابيه وأخذه وخرج به، أما ياسين فوقف يراقبهم واردف متوعداً:
-طيب حلو ياآدم وكويس انك جيت في التوقيت دا بالذات عشان اخلص منك انت كمان بالمره وافوق لشغلي ونفسي واخلص من كل الوش دفعة واحدة.
اخرج جواله وهم ان يهاتف احد، ولكن يد ابيه المرتعشة التي قبضت علي يده منعته لثوانٍ، فنظر له متعجباً وإذ بأبيه يهز له رأسه برفض، فسحب منه يده بعنف وأكمل محادثته دون ان يأبه لذلك الذي بدأ يزوم ويتخبط.
- أيوه يابرنس، المهمة اللي كانت متأجلة استأنفها ونفذ في أقرب وقت، مش عايز تأجيل أو تأخير، مش عايز فزلكه المرادي من اي نوع.
أنهى مكالمته ونظر لأبيه وأردف:
-إيه مالك، قلبك لما وقف ورجع اشتغل تاني رجع رهيف ولا إيه؟ إهدا كدا وركز في اللي انت فيه ولو هتموت موت قوام قوام مبقاش فاضل غيرك حجر فوق قلبي.

رواية عقاب ابن الباديه بقلم ريناد يوسفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن