عقاب الفصل ٧٠ (والأخير)
احضرت رجوه جميع اغراضها بالفعل لخيمة عوالي وبدأت رحلتها في حياة جديدة.. رمت على اعتابها كل مامضى ودخلتها مجردة من كل شيئ، إلا سالم الساكن فى يسارها، ذاك الحلم الذي لم يكتمل.
وبدأت تقضي وقتها مابين اغنامها بالوادي وخيمة الشيخه عوالي بعد عودتها تخلط الأعشاب وتطحن منها مايراد له طحن، وتجهز مع عوالي وصفات الأعشاب البرية التي تبيعهم في الحضر للعطارين،
وعرفت رجوه من ترددها مع عمتها عوالي ان هناك أنواع من العشب نادرة وثمنها باهظ والحصول عليها فيه صعوبة كبيرة، وهذه الأعشاب هي تصادفها احياناً بالوديان وتأكلها اغنامها، فقررت جمعها وبيعها، ومن هنا بدأت أول مشوارها في طب الأعشاب ومعرفة كل أسراره، أما سالم فكان مستغرباً جداً لحالة الإستسلام والهدوء التي أصبحت عليها رجوه!
لم تعد تسرح وتمرح بالقبيلة وكلما رفت عيناه يراها أمامه،
رؤيته لها أصبحت نادرة وبعد أن كانت على مرأى دائم منه أصبح يبحث عنها بحثاً ويتحرى مكانها، ينتظر عودتها من الوديان عند الغروب ليسترق النظر لها ويطمئن على انها بخير،
يتبعها للمدينة ويراقب ماذا تفعل، أصبحت تشتري الحلويات لنفسها وتختار على ذوقها كل ماتشتهي ولم تعد تحتاج له في شيء.
وحينما يشتد الإشتياق عليه يذهب خلسة للوادي ويتفقدها من الأعلى وهي ترعى اغنامها وتقوم بجمع الأعشاب، تقوم بالصيد احياناً ويرقبها بمتعة وهي تقوم بالقبض على الأفاعي السامة وتعود بها وتستخرج منها السم كما تعلمت من عوالي وتبيعه، والافاعي أيضاً تبيعها بعد ان تشعر بأنها استنزفتها، كانت طريقتها في إلتقاط الأفاعي مميزة، خليط بين طريقته وطريقة عقاب ورابح،
شعر بانها نضجت كثيراً، حتى في طريقة كلامها حين تجمعهم الصدفة وتكون عند معزوزه وهو يذهب لرابح..تغيرت نظرتها له وهدأت لهفتها على الأشياء،
لا ينكر بأنه سعيد جداً لما هي عليه الآن، ولكن إقتصار حياتها على الرعي والمداوة والبيع والشراء يؤلمه، يريدها أن تعيش الحياة وتستمتع بها، وخاصة وهو يعرف أن متعة كبيرة تفوتها وهو يعيشها مع مزيونه، ولكنه في نفس الوقت لا يتحمل مجرد التفكير في كونها مع رجل آخر ويفعل معها مايفعله هو مع مزيونه وتعطيه الحب الذي طالما تمناه هو منها.. عالق بين شقي رحى، احدهم شعور بالرغبة في إمتلاكها والآخر تصميم على رأيه وقراره حفاظًا علي كرامته.. وهو في المنتصف يُطحن.اما مزيونه فأصبحت على مشارف الولادة، وحانت ساعتها، ذهب سالم لجنديه القابلة فلم يجدها، إندارت به الدنيا فذهب لعمته عوالي فأم مزيونه لا تعرف عن الولادة شيء، وحضر كل من عوالي ومايزه، ورجوه أيضاً.
رجوه التي حينما سمعت بإن سالم سيصبح أباً تحرك شيء بداخلها وأصرت على حضور لحظات ولادة طفل سالم؛ وكأنه حدث لا تستطيع تفويته، وكأن لها بذلك الطفل مثل مالسالم!
ودخلت الخيمة بعد أن تبسمت لسالم مطمئنة وهي تراه وقد جف الدم في عروقه لرؤيتها؛ ظنا منه بأن غيرتها هي من أتت بها وبأنها أتت لتفتعل المشكلات.
ولكنه تفاجأ بمساعدتها لمزيونه وخروجها له بطفلة بين يديها، إقتربت منه وهمست بصوت يختنق:
- مبارك ماجاك ياسالم، وليد متل البدر صورة منك،، يربى بعزك ودلالك وحنان أمه يارب.
حمل منها الطفل ورف قلبه وهو ينظر إليه، ضحك وقبله وكبر فى أذنيه ورفع عينيه يشكرها فلم يجدها، إستدار فوجدها إبتعدت بخطوات واسعة وكأنها تهرب من الموقف برمته، فعاود النظر لطفلة وأخذه ودخل به لمزيونه، فهذا وقتها هي وإبنه وليس وقت رجوه والقلق بشأنها وشأن مشاعرها أبداً.
تبسمت مزيونه وهي تراه يحتضن طفلها كأسد يحتضن رضيعه، إقترب وجلس بجوارها، قبل جبينها وهمس لها وهو ينظر للطفل بتمعن:
-الحمد لله على سلامتك وسلامة صهيب ياأم صهيب.
قطبت مزيونه حاجبيها وسألته بإستغراب:
-مو أنت كنت تريد تسمي وليدك رفيق والكل ينادوك بأبو رفيق؟
-لا يامزيونه، هاداك الإسم مو أنا الكنت مختاره وراح مع اصحابه، راح رفيق والحين جه صهيب ياأم صهيب.. إيش ماعاجبك الإسم؟
-لا لا،، إسم زين والأحلا إن انت المختاره، الله ينبته نبات حسن ويجعله بار بيك وبي وعلى وجهه تشوف كل الخير يارب.
تبسم لها سالم واعطى حلوان مايزه، وباركت له عوالي وأم مزيونه، ومعزوزه ايضاً، وغادر الجميع الخيمة وتركوا سالم مع عصفوره الصغير، فرح بقدومه ويشبع منه.
أنت تقرأ
رواية عقاب ابن الباديه بقلم ريناد يوسف
Misterio / Suspensoقصه تدور حول تخلى الأهل عن ابنهم ونفيه في الصحراء وسط قبيلة بدوية لحمايته من القتل كما حدث لأخيه الأصغر، وأيضاً لثقله كي يعود قوياً ويستطيع مواجهة من أفسد حياته وحياة ابيه وحرمه من اخيه الوحيد، والذي لم يكن سوى عمه.. فتحول الطفل على يد شيخ القبيلة ل...