١١

3.8K 230 9
                                    

رواية عقاب ابن الباديه الفصل الحادي عشر بقلم ريناد يوسف

إنطلق الإثنان يحيي ومحمود نحو غرفة مديحه اختهم ولم تمر سوى دقائق معدودة ودوى صراخ مديحه في أرجاء القصر، فتبسمت فريال بإنتصار وهي تنتظر أمر من اثنين على وشك الحدوث، إما ان تقتل مديحه على يد إخوتها أو تطرد خارج القصر وهذا الاحتمال الاقرب، وبعد حوالي النصف ساعة هدأ صراخ مديحه وإستغاثتها، ولم تسمع سوى صوت عايده وهي تولول وتنادى بإسم مديحة ولا مجيب، فوضعت  إبنتها  في فراشها ونهضت لترى الى ماذا آلت الأمور، فوجدت مديحة ملقاة على الأرض غارقة في دمائها وإخوتها فوق رأسها يزمجرون
كأسدين غاضبين، فإقتربت تتفقد احوالها فوجدتها لازالت على قيد الحياة تتنفس، فنظرت لمحمود فهي تعلم أنه هو صاحب الحزم والعزم الآن وليس زوجها الذي تحثه على إتخاذ إجراء منذ شهور بخصوص أخته وهو يتخاذل، أما محمود فبكلمة واحدة هد المعبد فوق رأسها، فقالت له:
-دلوقتي انتوا بتحاسبوا طرف واحد من طرفين مشتركين في نفس الجريمه بنفس القدر، دلوقتي دور إبن الساعي روحوا وعلموه الادب وعرفوه جزاء اللي يتطاول علي اسياده ويبص لفوق.
فنظر يحيي ومحمود لبعضهم البعض وتحركا على الفور وكأنهم تلقوا إشارة بالتحرك.. وفور خروجهم نظرت اليها عايده التي كانت ترفع في رأس مديحه لتضعها على إحدي فخذيها وقالت لها:
- انتي ايه ياشيخه مفيش حد يسلم من اذاكي خالص حتى اللي موالس معاكي.. مكانش ينفع تنصحيها بينك وبينها لما لقتيها بتعمل حاجه غلط، ولا لازم تضيعي الكل فضربه وحده، دانتي حتى جوزك ابو اولادك مش خايفه عليه من السجن لو مديحه او ابن الساعي مات على اديه، وكأنك مبقاش يهمك حد في الدنيا ابدا غير نفسك، وكأنك عايزه تعيشي فيها لوحدك.
ردت عليها فريال وهي تجلس على الأريكه:
-لا فيه اللي يهمني ياعايده، ولادي اغلى حاجه فدنيتي، ولادي اللي بحضنهم كل يوم وبشم ريحتهم وشايفاهم بيكبروا قدام عيني يوم بعد يوم..ولادي اللي مستعده ابيع الدنيا كلها وادوس عليها عشان خاطرهم وعشان يفضلو جنبي وقدام عيني.
لمست بعباراتها موطن الألم داخل عايده وكانها غمست يدها في جرحها فشاغت روحها وجعاً، فجاهدت أن تزرف العبرات وردت عليها:
عارفه إن الاولاد اغلى حاجه في الدنيا يافريال، وزي مافيه اللي مستعد يدوس عالدنيا عشان ولاده يفضلوا فحضنه وبخير فيه اللي بيدوس علي قلبه ومشاعره ويتحمل وجع الفراق عشان برضوا أولاده يفضلوا بخير، لكل واحد في محبته طريقه ولكل طريقه ظروف، واحياناً التخلي بيكون اسمى درجات التضحيه.
انهت كلماتها وعادت تحاول أن ترد لمديحة وعيها بالضرب على وجنتها وتحريك راسها يميناً ويساراً متجاهلة تلك التي تحاول نفث سمومها فى الجميع، وكأنها حية خرجت من قلب الجحيم أو شيطاناً تجسد على هيئة بشر ليدمر كل من حوله.

ساعة تقريباً وعاد يحيى ومحمود بشريف مكبلاً ومضروباً وكانت مديحة قد عادت لوعيها ولكنها لازالت جالسة على الارض حيث كانت.. وفور رؤيتها لشريف اغمضت عينيها بوجع فقد كانت رؤيته بهذا المنظر آخر ماتود رؤيته في الحياة، وايضاً ان يراها بهذا الوضع..
هدر محمود بها سائلاً:
- صحيح انتي متجوزه الحيوان ده زي مابيقول؟
هزت راسها إيجاباً وهي تنظر لشريف الذي يجاهد حتى يفلت من قبضة يحيي ويقترب منها وعيونه تصف مدى تألمه لمنظرها.. وصرخ بهم قائلاً:
- ايوه مراتي على سنة الله ورسوله ومعملناش حاجه عيب ولا حرام ومش هسمح لحد يأذيها من الساعادي، واتفضلوا فكوني وانا هاخدها ونمشي من هنا.
نظر له يحيى بغضب وضم قبضة يده وسدد له ضربة في منتصف وجهه وهو يرد عليه:
- فاكر الموضوع بالسهولة دي حضرتك، دا موتك وموتها اسهل من ان دا يحصل وإسمنا يتحط في الوحل بسبب الحيوانه دي وبسبب واحد جربوع زيك.
تألم شريف ولكنه رد عليه رغم ألمه:
- على فكره انا مش جربوع، انا بني آدم بس عيبي الوحيد اني فقير ومعنديش شركات ولا قصور.. عيبي إن والدي ساعي فشركتكم زي ماكان ابوكم الله يرحمه فلاح بسيط ومكنتوش بشوات اب عن جد عشان يكون دا موقفكم... ثم نظر لمحمود وأكمل.. ومتقلقوش انا مش متجوز اختكم طمع في فلوسها ولا انا اللي اقبل إني اكبر بفلوس مراتي، واصلاً عارف انها معندهاش حاجه، وإن لقب هانم بس هو الحاجه اللي اخدتها من علاقتها بيكم.. انا صحيح معنديش اي حاجه بس عندي قلب بيعرف يحب ويصون ويحافظ وميخونش حد مهما كان، قلب ميعرفش يعمل خطط والاعيب على اقرب الناس ليه.. اوعوا تفتكروا اني اتجوزت اختكم طمع فيكم وفنسبكم.. لان نسبكم ميشرفنيش.

رواية عقاب ابن الباديه بقلم ريناد يوسفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن