٥٨

2.4K 156 19
                                    

عقاب ٥٨
جالسه في السجن، لأول مرة تطلب سجادة الصلاة وتتوضأ وتقف فوقها، رفعت يديها مكبرة ولكنها توقفت خجلاً وحياءً من ربها ومن توبتها المتأخرة، فخرت على الأرض باكية وهى تقول لنفسها بصوتٍ هامس:
-اكيد مش هيقبل توبتي ولا يقبلني، أكيد هو عارف اني قررت اتوب خوف من مقابلته وإن حتى ندمي خوف ومش ندم ومش من نفسي قررت التوبه.
فإقتربت منها إحدي السجينات وجلست بجوارها وهمست لها مواسية:
-لو بينك وبين الموت ساعه وحده توبي واستغفري من قلبك وربك غفور رحيم ورحمته وسعت كل شيء، متيأسيش من رحمته ولا تقنطى.. قومي واسجديله وقوليله إنك راضيه بقضاءه وأطلبي منه إن كل اللي حصل لولادك يكون تكفير لشوية من الذنوب اللي عملتيها.. باب التوبه عمره مابيتقفل ولا رحمة ربنا بتنتهي.
فوقفت وعاودت التكبير، وهذه المرة صلت وسجدت وطالت سجدتها حتى ظن الجميع بأنها فارقت الحياة، لدرجة أن فاطمة اختها ذهبت وجلست بجوارها تتأكد من أنها لم تفارق الحياة، فوجدتها تتنفس، فعلمت أنها اندمجت في مناجاة الله للدرجة التي افقدتها الشعور بالدنيا، فدبت في نفسها الغيرة، وذهبت للوضوء واتت لتفعل مثل أختها وتحاول؛
لعل الله يتقبل التوبة ولعل الأوان لم يفوت بعد.

أما في القبيلة..
استيقظت رجوه في الصباح الباكر حسب أوامر آدم وذهبت لبرقي المسئول عن بيع وشراء الاغنام وكافة الحيوانات في القبيلة، وطلبت منه أن يعطيها المائة رأس غنم، ووقفت تعدهم ولم تستلم الضعيفة منهم أو المريضة وأعادت له عشرون رأس، وطلبت منه إبدالهم، فغضب منها برقي واخذ يتمتم بالشتائم، فهي الآن خسرته كثيراً، وذهب ليشتكيها لآدم وإحضره بما أنه المالك الأصلي، ولما رأى آدم حال الأغنام قال لبرقي:
-وقت جيتني ثاير ومعترض فكرتها تجاكرك وعاودتلك نعاج سليمة، بس هاد التشوفه عيني ماله عندي غير معني واحد يابرقي وانت بسن بوي ومااريد اغلط واتطاول عليك، فامامك حل من زوز، يأما تبدل هي الاغنام المريضة، يأما تاخذ باقي اغنامك وبلاها البيعه من الأساس وأنا اعرف اروح قبيلة ثانيه واجيب منها احسن اغنام.
فوافق برقى ان يستبدل له الأغنام وفعلها فوراً، وأخرج له أغنام سليمة معافاه، فوقف يراقب رجوه وهي تفحصهم وبعد ان انتهت وقبلتهم وانصرف برقي قال لها آدم :
-والله وطلعتي واعيه ياشجرة الحنظل.
- من زمان ماأسمح لحد يضحك علي وانت تدري.
-اي أدري.. ماشيه للوادي الحين؟
-اي تريد مني شي؟
-صراحة اريد.. اريدك لا تديري بالك على حالك، واذا هجم عليك ذيب ماتقاومي، واحمي الغنمات بروحك، هنن يردوا وانت مو مشكلة إذا مارديتي.
- نظرت إليه رجوه شرزاً وبدأت تهش فى الاغنام بعصاها، فأكمل هو:
-اقول اخذتي وكلك معك؟
-لا مااخذت إلا قربة المي مااريد وكل، بروح عند اشجار التين الشوكي اليوم وآكل منها لا تشيل همي.

- اي بس ديري بالك مافي سالم معك حتى إذا مسكك صاحب الاشجار تحطي التين بسرواله.
تذكرت الموقف وضحكت، وضحك آدم أيضاً حين تذكر الموقف، ثم ابتعدت وتبدلت ملامحها من الضحك للحزن؛ فقد اشتاقت لتلك الأيام وأشتاقت لسالم كثيراً، اشتاقت لصحبته فقد ترك لها فراغاً كبيراً حين ابتعد عنها،
وهي لم تكن تود هذا البعد أبداً، كانت تريده ان يظل معها بأي صفة غير صفة الحبيب، فما أصعب أن يُنتزع الخل من خليله ويبتعد عنه وقد كانوا مثل الجسد والظل لا يفترقان إلا فى أوقات قليلة.

رواية عقاب ابن الباديه بقلم ريناد يوسفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن