عقاب ٦٦
خرج سالم من الخيمة فوجد رجوه مازالت واقفة أمامها ، وكأن برق ضربها فأحترقت في مكانها، فأمسكها من ذراعها ولفها عليه وسالها بغضب عارم :
- أنت إيش السويتيه الحين، انهبلتي يارجوه ولا إيش، أسمعي إذا تقصدي شيي بالسويتيه قوليه الحين.
ارتجفت شفتاها وهي تحاول أن تجمع الكلمات لترد عليه، وبالكاد نطقت:
-رر رابح سس سوى.. وقبل ان تُكمل سبقها أحد شباب القبيلة حين صرخ بسالم وهو قادم نحوه يجري:
-ايش واقف تسوي عندك وتارك رابح مانعلم عنه شي ولا ندري إذا حي ولا مات؟ تحرك ياسالم ماحد يعرف دروب رابح غيرك.
نقل سالم انظاره بين الشاب ورجوه وسأل بعدم فهم:
- إيش تقول إنت إيش به رابح؟
- ياخوي سوا حادث وماحد يدري عنه شي، وجواله مع واحد غريب وهو اليرد عليه.
أمسك سالم رأسه بكلتا يديه وهو يتلفت حوله لا يعلم ماذا يفعل او من أين يبدأ، فاخذ يجري هنا وهناك كمن أصابه مس، تحرك نحوا السيارة ولكنه تذكر شيئاً، هرول ناحية الشاب وجذبه من ذراعه ناحية البئر وخلع جلبابه وبقى بالسروال فقط وأمره أن يصب الماء عليه بالدلو مباشرة من البئر، فنفذ الشاب وبدا يصب فوقه الماء وكان هذا على مرأي من الجميع، أما مزيونه فكانت واقفة على باب خيمتها تنظر إليه تارة وتخبئ وجهها من الخجل تارة وشعرت بأنهم فُضحوا امام القبيلة بأسرها، ونظرت لرجوه بغضب وصاحت بها:
-أنت يافانص ياعديمة الحيا يالمتجيبين إلا الأخبار الشينه يابومة البوادي إيش سويتي، والله الحين لأمشي للشيخه عوالي وأشكيك لها واشوفها ترضى لك بالسويتيه ولا لأ.
ادارت رجوه رأسها نحوها ونظرت لها دون أن تتفوه بحرف ولازالت تحت الصدمة، وتفحصتها من رأسها لأخمص قدمها، ياإلهى كم هي جميلة! ثم اخفضت عينيها لبطنها وإشتعل قلبها وهي ترى بطنها المنتفخة قليلاً وبدت بارزة.. كانت تراها وكانها تكتشف وجودها للمرة الأولى!
وعادت لرشدها وكأنها كانت فى غيبوبة والآن استيقظت منها.. إنه طفل سالم الذي تحمله في أحشائها، كيف ذلك؟
كيف لطفل سالم أن يأتي من غيرها، كيف لا تكون هي أمه؟ وكيف تراهما معاً في هذا الوضع، كيف يقترب سالم من غيرها بهذه الطريقة، كيف فرطت في كل هذا وتنازلت عنه وتركته لغيرها بمنتهى البساطة والسهولة؟
جرت من أمام مزيونه حتى لا تفرغ فيها كل الغضب الذي إجتاحها الآن.وصلت عند خيمة معزوزه وجلست بجوارها منهارة تبكي وتصرخ مع الصارخين، الكل كان يظن بأن صراخها خوفاً على رابح، ولكن صراخها كان لسبب آخر لا تستطيع كتمانه وكأن الله هيأ لها حادث رابح لتصرخ بحريتها دون أن تخشى لومة لائم.
غادر سالم مع الشباب وهاتف آدم ونقل إليه الفاجعة فتحرك الآخر بسيارته فوراً وهاتف رجاله يبحثون في جميع المشافي الموجودة في نطاق الحادث، وأخيراً عثر أحدهم عليه وأبلغ آدم،
فذهب للمشفى وهو يسابق بسيارته الريح ونزل منها مسرعاً نحو المبني وأخذ يسال ويتقصي عن رابح وعلم أنه فى غرفة الطوارئ، فإقتحمها وفتش بين المصابين وإذ به يجده فوق أحد الأسرة والطبيب يفحصه، إقترب منه بلهفة واخذ يقلبه وهو يسأل الطبيب بخوف:
-إيش فيه رابح يادكتور، هو عايش مو هيك، بعده حي يادكتور؟
نهره الطبيب وهو يحاول إبعاد يديه عن رابح:
- يافندم مش كده الحركه والهزه دي غلط على المريض هو عنده إشتباه في كسور ونزيف داخلي بس لسه هندخله على أشعات عشان نحددها، لكن في المجمل هو حالته مستقره وعايش ياسيدي، يلا ابعد شويه بقى خلينا نشوف شغلنا الحالات كتيره زي ماانت شايف وعندنا عجز في الدكاتره.
إبتعد آدم وخرج من الغرفة وهاتف سالم، وعرف أنهم وصلوا المشفى، فوقف في الممر كي يستقبلهم ويطمئنهم على رابح.. وبعد ان هجم الجميع على المشفى مما تسبب بحالة زعر للعاملين، وصل قصير آخرهم وعلى الفور أمر إدارة المشفى بإخراج رابح بعربة إسعاف مجهزة حتى ينقله لمشفى خاص، وبالفعل تم نقله وعمل اللازم وتم الإطمئنان عليه، ولم يكن يعاني سوي من كسر فى احد اضلاعه وتهتك في الطحال وتم إستئصاله، وخرج لغرفة الإفاقة وبدأ يستعيد وعيه.
في هذه الأثناء هاتف سالم مزيونه، وهلال هاتف معزوزه وطمأنوهم، ولكن معزوزه أصرت على هلال أن يعود للقبيلة ويأخذها هي وإبنها لزوجها؛
فهي لن تطمئن عليه إلا إن راته بأم عينها وسمعت صوته وقال لها بلسانه إنه بخير، وأمام إصرارها ذهب هلال ليحضرها.

أنت تقرأ
رواية عقاب ابن الباديه بقلم ريناد يوسف
Bí ẩn / Giật gânقصه تدور حول تخلى الأهل عن ابنهم ونفيه في الصحراء وسط قبيلة بدوية لحمايته من القتل كما حدث لأخيه الأصغر، وأيضاً لثقله كي يعود قوياً ويستطيع مواجهة من أفسد حياته وحياة ابيه وحرمه من اخيه الوحيد، والذي لم يكن سوى عمه.. فتحول الطفل على يد شيخ القبيلة ل...