مرحبًا بكِ في الموطنِ

23.1K 841 262
                                    

-

- العاشر من مايو، 1940. مدينة يورك، مقاطعة يوركشاير، انجلترا .

تحركتُ ذِهابًا و إيابًا أمامَ بابِ المنزل، أُراقبُ حركاتِ عقربِ ساعتي الفضية، كانت عقاربُ الساعةِ تُشير إلى الخامسةِ و الربع، فراقبتُ الشمسُ التي تميل للغروبِ، و حقل الذرة الذي لا يزال ينمو، حيثُ كان يتمايل أمام منزلنا على نغماتِ الرياح. تلك اللحظاتُ التي تضطربُ فيها نبضاتُكَ انتظارًا لأحدِهم، رُبما تكون أفضلَ الدقائقِ برغم ثِقلها.

التقطت مسامعي صوتَ مُحركِ سيارةٍ، و كلما زاد الصوتُ اقترابًا، ازدادت نبضاتُ قلبي اضطرابًا، حتى لاحت أمامي السيارة، تتقدمُ على ذلك الطريق الضيق الذي ينتهي عند باحة المنزل. كانت تقتربُ إليّ شمسي، كانت تدنو إليّ ابنةُ العمِ.

تقدمتُ إلى السيارةِ التي اصطفت أمام المنزلِ، أُحاول التغلب على توتري. هبط السائقُ منها، ثم أسرعَ مُنزلاً الأمتعة برفقٍ، بينما اتجهتُ أنا لفتح بابِ السيارة و مِن ثَمّ شاهدتُ عمي روبرت الذي شقت وجنتيه ابتسامة عريضة. سحبني سريعًا إلى عناقٍ دائمًا ما وجدتُ فيه رائحة أبي. أبعدني عنه في رفقٍ ماسحًا على وجنتي في حنوٍ "ويليام، يا بني.. لو تعلم كم تقتُ لضمِّكَ إلى صدري."

هرب من ثغري قهقهاتٌ قائلاً "عمتي ليندا!" حينما أزاحت العمةُ عمي روبرت من طريقها هامسة بلكنتِها الألمانية الواضحة "يا إلهي، لقد أصبحتَ رجلاً، يا ويليام." أخفضتُ قبعتي احترامًا لها ثم أحنيتُ رأسي قبل أن تُعانقني، لكنني لم أتذكرْ بِماذا أجبتُ فعقلي كان مُشتتًا بالبحث عن ابنة العم و التي لا زالت بالسيارة.

صدح صوتُ العمة ليندا ضاحكةً "كيف حالك، يا ويل؟" كانت أصابعها تقرص وجنتيّ كما اعتادت، ضحكتُ أنا في هدوء "بخير يا عمتي، أتمنى أن رحلتكم كانت هينة."

و لكن بُتِر كلامي حين وجدتُها تخرجُ من السيارةِ بخُصلاتها الصهباء التي تُخفي وجهها، كانت تبدو جميلة كما عهدتُها، و كأن خصلاتها النارية صنعت هالةً ذهبية حول رأسِها، كانت الشيء الملون الوحيد الذي رأته عينايّ.

راقبتُ حركاتها مُمسكة بطرف فُستانها الوردي الباهت الذي يضيق عند خصرها ثم يتسع بعد ذلك، حقيبتها البيضاء الصغيرة التي تتشابه مع القبعة التي استراحت فوق شعرها الأصهب، و حذائها بنفس لون الحقيبة ،حتى رفعت رأسها نحوي راسمة ابتسامة هادئة على شفتيها، راقبتُ أصابعها التي وجدت الطريق إلى خُصلاتِها كي ترتبها.

اتجهتُ نحوها حتى أُساعدها، فوضعتُ أصابعها في كفي قائلاً "مرحبًا بكِ في الموطنِ، يا ابنة العم." رفعت نظرها تجاهي هامسة بصوتِها المحببِ إلى نفسي "يبدو أن هناك الكثير قد تغير بِكَ يا ابن عمي." مازحتني مُشيرة إلى فرق الطول الذي زاد بيننا.

Cherry Trees | أشجار الكرزحيث تعيش القصص. اكتشف الآن