-
كنتُ أجلسُ برفقةِ أصدقائي، نُحيط رالف و كلارا في سعادة، يبدو كلاهما في غايةٍ من اللطافة، النظراتِ التي كانا يختلسانها لبعضهما، و أصابعهما المُتشابكة، و ابتساماتهما التي لا تغادر وجهيهما.
على الجانب الآخر، كنتُ أتجنبُ فرانز، و لم أهتم بأن يبدو هروبي واضحًا له، لكن ما زاد ضيقي، كُلما التفتُ كانت أنظاري تتعلقُ بذلك العازف الغريب فأُبعد ناظريّ عنه سريعًا. حاولتُ أن أستكشفَ ملامحه عن كثب، و لكن لم يُساعدني حظي العثر، فقد كان الغريب يلتقطني أُطالعُه في كل مرةٍ أُحاول النظر إليه.
كان هُناك شيئًا في نظراتِه يخترقني، و يجعل أنفاسي تنحبس داخلي، دون شعوري باندفاع الدماء إلى وجنتيّ. فلم أشعر بالراحة قط.
بين ضحكاتنا المُتعالية، مالت كلارا نحوي، هامسةً في أُذني "ذلك صاحب السترة الرمادية، لا يكفُ عن اختلاسِ النظراتِ إليكِ." و دون أن تأخذُ أعيني الإذن من عقلي، تحركت نحوه كي تُعانق عينيه مرة أُخرى، فزاد اندفاعِ الدماء إلى وجنتيّ.
فاتجهتُ بنظري نحو كلارا هامسة لها بأنها تتوهمُ ذلك فحسب، لكنها ضحكت في حماسةٍ بالغة "لا أتوهمُ ذلك، أكادُ أُجزمُ أنه يتحدثُ عنكِ الآن." استدرتُ ببصري نحوه مرة أُخرى، فوجدتُه يهمسُ لرجلٍ بشيءٍ، و كانت أعين الرجل الذي إلى جوارِه متجهة نحوي.
استدرتُ تلك المرة بجسدي كي أضمنَ ألا تتلاقى أبصارنا مرةٍ أُخرى، و أخبرتُها بأنني لا أهتم فضحكت كلارا مني "رُبما قد يثير اهتمامك لو تعلمين من يكون، إنه يجلسُ على طاولة السيد هيرمانّ، إلى جوارِه و جوار الابن ستيفان، فلا بد أنه ألكسندر هيرمانّ و قد عاد من رحلتِه الطويلة خارج البلاد."
همستُ بينما أقاوم رغبتي الشديدة في الاستدارةِ نحوه "لم أكن أعلم أن السيد هيرمانّ يمتلك ابنًا آخر." أومأت مؤكدة على حديثي"بلا، لا أحد يعرف الكثير عنه، فقد غادر منذُ أن أتم الثامنة عشر و لم يعدْ منذُ ذلك الحين حتى الأسبوع السابق، فقد أخبرني رالف بأنه سيدعوهم للحفلِ، لكنني لم أظن الابن الأصغر سيأتي أيضًا."
اكتفيتٌ بالصمتِ بينما أغوصُ في أفكاري، لكنها مالت إليّ مُجددًا و همست في أذني "قال لِي رالف أيضًا أنه قد عاد لكي يحظى بزوجةٍ تُرضي والدته، لكنه عاد برفقة أمريكية." تهكمتُ في سخريةٍ، فكلهم سواسية و قلتُ في اشمئزازٍ ضحكت عليه كلارا "أوليس جميعهم واحد؟ الرجل الألمانيّ النموذجي الذي يبحث عن زوجة صالحة لتنجب أبناءَه." وضعت كلارا يدها على صدرها قائلة "حمدًا لله أن رالف لا يشبههم." أخشى يا عزيزتي أن يكون رالف مماثل لهم و لكن حبكِ له هو ما أعماكِ عن عيوبه.
عدتُ إلى طاولةِ أُمي بعدما أشارت نحوي، لاحظتُ أن قسماتِ وجهها يعلوها شيئًا من الرضا، مما أصابني بعدوى من الرضا أيضًا، فيبدو أنها ستقضي الليلة مُطمئنةِ البال قليلاً عليّ، و كان ذلك الرضا لسببٍ أجهله، لكن لا بأس فأبي سيبوحُ لِي بكلِ شيءٍ ما أن نعود.
ابتسمتُ عندما وضعت أُمي خُصلةٍ من شعري خلف أُذني هامسة "هل كان الحفل جيدًا؟" أومأتُ لها بابتسامةٍ واسعة "لقد شعرتُ بالراحة، لا بأس." أشارَ أبي بأن أجلسَ إلى جوارِه فعلتُ كما طلب، حتى يهمسَ في أُذني "لم تتذكر أمك أمر الزهور التي نسيتها في زفافنا، لذلك حمدًا لله سنحظى بليلةٍ هنيئة."
بين ضحكات ثلاثتنا، قاطعنا صوتٌ أجش من أمامنا، التفتنا إلى مصدر الصوتِ، فرأيتُ ثلاثةٍ من الرجالِ ينظرون إلينا بابتساماتٍ وديعة، و كان أحدهم هو العازف، كانت بوضوح عائلة هيرمانّ التي حدثتني عنها كلارا منذُ قليل.
نهضَ أبي لهم، مُصافحًا أكبرهم الذي تحدثَ إلى أبي "سيد براون، لقد مرَّ وقتٌ طويل على رؤيتك." كان أبي مذهولاً و ذلك يعني له أنه لم ينتبه لتواجد السيد هيرمانّ منذُ بداية الحفل، كما أصابني الذهول لأن أبي يعرفُ السيد هيرمانّ.
استرقتُ بعض النظراتِ إلى أصغرهم، فوجدتُه يُبعد نظراتِه سريعًا عني، انتفضَ قلبي إِثر نظراتِه. "يا إلهي، لم أتوقع رؤيتك حقًا يا فرانك." ضحكَ أبي مُجيبًا، حقًا، يا أبي؟ ماذا عن قاعدة الاسامي الأولى؟ كانت هناك الكثير من التساؤلات تجوبُ خاطري في لحظتِها.
صافح السيد فرانك هيرمانّ أُمي في وقارٍ، قبل أن تتسع ابتسامته ناظرًا نحوي مُتسائلاً "ابنتك؟" أومأ له أبي مُتحدثًا في شيءٍ من الفخر قد لاحظتُه بين حروفِه "بلا ويندي براون، ابنتي." صافحني السيد في شيءٍ من الحنوِ قائلاً "لم يخلُ حديث والدك عنكِ يا ويندي، أنا سعيدٌ للغاية بلقائك يا روبرت و لقاء عائلتك."
ثم التفت نحو الرجلين الآخرين خلفه و أردفَ "ستيفان ابني الأكبر، أما ذلك فهو ألكسندر." أحسنتِ يا كلارا التخمين. صافح ستيفان أبي ثم أُمي و أخيرًا أنا.
تقدمَ المدعو بـ ألكسندر خُطوةً، وضعتُ يدي الباردة في خاصتِه الدافئة فتخدرت حواس أناملي، فسحبتُها سريعًا من خاصتِه في توترٍ، لا سيما الضيق الذي اجتاحني بقوة، فتجنبتُ النظرَ إلى عينيه، ثم تنامى إلى مسامعي صوتُه الهامس "سُررتُ بلقائكِ، مرة أخرى."
و أنا لستُ مسرورة البتة، ألكسندر هيرمانّ.
-
أنت تقرأ
Cherry Trees | أشجار الكرز
Romanceو بينما كان يفوحُ في الهواءِ رائحةُ البارود المشتعل، و حيثُ كانت تقطعُ الطائرات الحربية صمتَ السماءِ، كانت تُحاول ويندي براون أن تحل مُعضلةَ الوطن، بالرغمِ من الحنين الذي يجرفُها بين يوركشاير الإنجليزية، و برلين الألمانية. فهل ستسمح الحرب لأشجارِ ال...