-
- الثامن و العشرون من ديسمبر، من عام 1940. برلين، ألمانيا.
تأملتُ ذلك الفستان الأبيض الحريري الذي طُرزَت على أطرافِه أزهارٍ صغيرة، تحركت أناملي عليه تستشعر نعومته، لن أُنكرَ أنه قد أخذ أنفاسي حينما وقع بصري عليه لأول مرة، وددتُ لو أرتديه لكن سُرعان ما طردتُ تلك الأفكار بعيدًا عن رأسي، انتبهتُ إلى صوتِ كلارا من خلفي "ويندي، ما رأيكِ في ذلك الرداء؟" سألتني في توترٍ بينما تُطالع نفسها بالمرآة.
وددتُ أن أُخبرها أن ذلك هو الرداء السادس الذي تطلب فيه رأيي قبل أن تخلعه كي ترتدي آخر، ضحكتُ منها قائلة "ليت رالف يراكِ الآن، سيدرك حجم المصيبة التي هو مقدم عليها." ضحكت مُلقية في وجهي غطاء الرأس الخاص بالفستان "سأنتظرُ ذلك اليوم الذي ستقفين فيه مكاني، و لنرى كم رداء ستقومين بتبديله."
تبدلت ابتسامتي عبوسًا، فأنا لا أودُّ التحدث عن ذلك الأمر، فتنهدت كلارا مُقتربة مني لمّا استشعرت ضيقي "أعتذرُ منكِ، أعدك أنني لن أتحدث عن ذلك الأمر مُجددًا." حاولتُ أن أبتسمُ لها كي أُطمئنها بأنه لا بأس، ثم أردفتُ "هيا لنختر فستانًا، فإن رالف المسكين ينتظر في السيارة منذُ زمن." ضحكت كلارا في شرٍ "إنه يستحق ذلك."
استغرقنا نص ساعة أُخرى كي نختار فُستانًا، و لكنني أعلم أن كلارا ستمرُّ على منزلي في صباح اليوم التالي و تجرّني خارج فراشي كي تُخبرني عن رغبتها في تغيير الفستان، لذلك لم أُوافقها تمامًا على ما اختارته.
استقلينا السيارة برفقة رالف خطيبها، الذي تساءل في ضجرٍ بينما يُدير محرك سيارته "هل انتهيتما؟" قالت كلارا بصوتٍ مثقلاً بالهم "لا أدري، يجدرُ علينا العودة غدًا كي نتأكدُ من أن المقاس يُناسبني جيدًا." شاهدتُ رالف يطبع قبلة على يدِ كلارا يُطمئنها بأن الأمور ستصبح بخير، مما أصابني بالسعادة الشديدة لهما .
صفَّ رالف سيارتُه أمام منزلي، و قبل أن أقوم بتوديعهم أخبرني بأنه سينتظرني في الغدِ في تمام الساعة الرابعة عصرًا، كي نذهبَ ثلاثتنا لإحضار فستان الزفاف.
خطوتُ إلى داخل منزلي، ففتحت لِي سوزان بابتسامتها الهادئة، ألقيتُ عليها التحية قبل أن تُخبرني بأن أبي يعمل في مكتبِه، و أن أُمي تحظى بقيلولةٍ، انحنيتُ كي ألتقط قطتي كريستال التي كانت تحكّ رأسها في ساقي اليُسرى. كدتُ أن أصعد إلى غرفتي و لكنها استوقفتني "لقد جاءت رسالة من بريطانيا إليكِ، يا ويندي." اندفعتُ نحوها أو بالأخص نحو الرسالة التي أخرجتها من جيبها للتو .
همستُ باسم روزالين العزيزة ما إن قرأتُ اسمها مكتوبًا على غلاف الرسالة، استنشقتُ رائحة عطرها العالقة بالرسالة، ليندفع إلى عقلي طيف من الذكريات التي أصابتني في فؤادي. أكرهُ بشدة حينما تنهار حصوني - التي أجتهد في بنائها – أمام الحنين الذي يجرفني لرؤية روزالين، و العمة و بالأخص ويليام كي أترجاه أن يغفر لِي ما فعلتُه بِعلاقتِنا و خذلاني له.
ضممتُ الرسالة إلى صدري علّها تُشفي عِلّتي و تسقي حنيني، ثم فتحت الجواب برفقٍ أُقاوم ارتعاش أناملي، كي أبدأ بالقراءة:
ويندي الحبيبة ،
لم أكتبُ خطابي ذلك كي أُعبر عن شوقي إليكِ فحسب، بل كي أُخبرك بأن ويليام قد أرسل لنا برسالة يُخبرنا فيها بطيب حاله، أعلمُ في داخلي أنكِ قد كنتِ في حاجةٍ ماسة إلى ذلك الخبر. حسنًا، إن ابن عمكِ ليس سالمًا نفسيًا تمامًا أعلم ذلك من حروفه المقتضبة، حقيقةً لا يجب أن يلوم إلا نفسه، فبرغمِ سعادتي الغامرة برسالته، إلا أنني لا زلتُ غاضبة منه. لكن إن ذكرنا من ناحية الجسد، فقد أخبرني أنه مُعافًا تمامًا عدا في جرحٍ غائر أعلى حاجبه، أخبرني أنه قد حظى بِه في مناوشةٍ ما، فاطمئنِي يا ابنة العم، و لا تكلفي نفسكِ عناء ذنبٍ لم ترتكبيه، فالأمورُ هنا جميعها على ما يرام، عسى أن تكون أمورك خيرًا أيضًا .
سأُطلعك على أخباري القليلة طالبةً إليكِ أن تُخبريني عن خاصتك. لورين تكبرُ يومًا بعد الآخر، الجميع هنا يستطيع ملاحظة ذلك، أُمي لا تكفُّ عن إخباري بأن لورين تُشبهك في صغرك، عدا خصلاتك النارية بالطبع. فمنذُ مولد الصغيرة قد تبدلت أحوالنا، قليلاً إلى الأفضل، أُمي قد انشغلت بها قليلاً عن غياب ويليام وكذلك أنا و التوأمان، حتى أن مايكل قد قدَّم طلب وظيفة في مشفى يَبُعد ساعة عن مزلنا، لأنه قد أخبرني بأن لورين تستحق أن تنشأ تحت ظل والدها لا بعيدًا عنه.
ويندي، آملُ أنكِ لم تفقدِ شغفك بالدراسة، أو على الأقل شغفكِ بأن تُصبحِي مُستقلة، لكنني أتوقُ بشدة كي أراكِ تركضين خلف شغفك. لم أُخبرك بذلك من قبل، لكنني سعيدة بأنكِ لم تتزوجي من ذلك الألماني الثري، لأن في صميمي أشعرُ بأنكِ تستحقين شخصًا يُشبهك - لا أقصدُ بذلك أخي البائس بالطبع ، لكن ما أعنيه أنكِ تستحقين من يجلبُ السعادة إلى روحك، هناك ما يدفعني بشدة كي أُخبرك بأن تبحثِي عن من يُكمل نواقصك لا أن يُعيبك بها.
ابنة عمكِ المخلصة، روزالين براندون
-
أنت تقرأ
Cherry Trees | أشجار الكرز
Romanceو بينما كان يفوحُ في الهواءِ رائحةُ البارود المشتعل، و حيثُ كانت تقطعُ الطائرات الحربية صمتَ السماءِ، كانت تُحاول ويندي براون أن تحل مُعضلةَ الوطن، بالرغمِ من الحنين الذي يجرفُها بين يوركشاير الإنجليزية، و برلين الألمانية. فهل ستسمح الحرب لأشجارِ ال...