لحنٌ عذب

1.1K 136 28
                                    

-

- الرابع من يناير، من عام 1941

هربت تنهيدة من صدري، فقد كان لدي رغبةٌ عارمة بأن أُغادرَ الحفلَ و أعودُ هاربةً إلى المنزلِ، ليتني كنتُ غير مرئية كي أتخلصَ من تلك النظراتِ التي ترمقُني، لكن ليس من الأدبِ أن أتركَ صديقتي في ليلةِ زفافها، حتى أن ذلك ينقضُ كل عهودِ الصداقة بيننا.

انتبهتُ من شرودي على سؤال أُمي "هل فرانز مدعوٌ إلى الحفل؟" كانت أُمي تبحثُ بعينيها عنه في كل مكان، كما أعلم أنها تُحاول تجاهل النظرات المُسلطة علينا لعدة أسباب. كانت تخشى عليّ من مواجهتِه، فقد كان لسان فرانز سليطًا في كثير من الأحيان .

شعرتُ بكآبةٍ تجتاحني بسبب ذكرِ أُمي لاسم فرانز، فلاحظتُ أبي الذي يرمقُها في عتابٍ، أجبتُها في اقتضاب "رُبما، فهو يعرفُ رالف.." و هكذا زادت رغبتي في الهربِ، صليتُ بأن تمرُ تلك الليلة في سلامٍ و أن تنقضِي بسرعة. حاولتُ تجاهلَ كل شيءٍ بالنظرِ إلى الأزهارِ البيضاء اللطيفة. كانت الحفلة كبيرة، و ذلك لأن والديّ رالف لديهم الكثير من المعارف.

المنزل كان مُزينٌ بطريقةٍ جميلة للغاية، الأزهار البيضاء في كلِ مكان، يفوحُ منها نسيمًا لطيف لا يختلف عن هيئتها شيئًا، طاولات مُستديرة موضوعة بالقربِ من بعضها البعض.

و برغمِ الأجواءِ اللطيفة، بُثَّ إلى صدري ضيقٍ مُضاعف بسبب الناس الذين يرمقون أبي أيضًا في صمتٍ، أعلمُ أنهم يلقبّونه بالإنجليزيّ، ثم يضحكون في وجهه و يتملقونه، يا لهم من المنافقين، حمدتُ الله حينما وقع بصري على كلارا التي تجلسُ بجوار رالف على طاولتهما، و يتبادلان الضحكاتِ في انسجامٍ، نهضتُ إليهما أُنفضُ بعض الغضبِ عني قبل أن أفقدَ سيطرتي على نفسي.

كانت كلارا تبدو جميلة للغاية في رداء زفافها الأبيض اللطيف، و طوق الورد المصفوف أعلى رأسها، قبلتُ وجنتيها قبل أن أُخبرها في سعادةٍ بالغة كم تبدو رائعة، و كذلك رالف الذي حظى بقصةِ شعرٍ جديدة.

"أنتِ أيضًا رائعة اليوم، أيتها الصهباء." أخبرتني كلارا، لأتهكم "كفاكِ هراءً." نهضَ رالف قبل أن يُخبرني بأنه سيذهب لإحضار مشروبًا لِي، سحبتني كلارا كي أجلسَ إلى جوارها فسألتُها كي أتيقنُ من إجابتها "هل تشعرين حقًا بالسعادة؟"

لاحظتُ حينها لمعان عينيّها فعلمتُ الإجابةَ دون أن تبوحّ بها "سأُصلي من أجلكِ، لأنكِ تستحقين سعادةً تفوقُ سعادتي." كنتُ أودُّ إخبارها بأنني لا أستحقُ أن أشعرَ بشيءٍ عدا الذنب، فرُبما بعد زمنٍ قد أصفح لنفسي ذنوبي التي اقترفتُها. اكتفيتُ بالصمتِ مُربته على يدها في امتنانٍ زائف.

لن أُنكرَ أن الليلة كانت لطيفة قليلاً، خاصةً عند مجيء بعض الأصدقاء، حاولتُ حقًا الاستمتاع، رقصتُ برفقتهم، ضحكتُ، و ألقيتُ النكات، وددتُ كثيرًا أن تمرَّ في سلامٍ، فبرغمِ كل شيء والداي يستحقان أن يشعران بقليلٍ من الرضا و الطمأنينة حيالي، لكن كل ذلك قد أصابه الخراب عند سماعي لصوتِه.

Cherry Trees | أشجار الكرزحيث تعيش القصص. اكتشف الآن