-
كنتُ أجلسُ أُراقبُ كوب العصير خاصتي في شرودٍ، انتبهتُ منه على صوتِ كلارا الحالم "ليتكِ شعرتِ يا ويندي بأمواجِ البحر تضربُ قدميكِ، أشعرُ و كأن رائحة ملح البحر لا زالت عالقة في أنفي.. إنها أفضل رحلة قد قمتُ بها." راقبتُ قسماتِ وجهها و ابتسامتها التي زادت اتساعًا بينما تهمسُ بنفسِ النبرةِ الحالمة "أو رُبما لأنني كنتُ برفقةِ رالف فحسب."
اكتفيتُ بِمبادلتها الابتسام فقط، لأن عقلي كان شديد الشرود، كُنا نجلس في مقهى في منتصف البلدة، نتسامرُ عمّا فعلته كلتيّنا خلال الأيام السابقة، لاحظت كلارا عدم انتباهي فسألتني في تحاذقٍ "أراكِ شاردة للغاية، ما خطبُكِ؟" لا أعلمُ ما خطبي، لا أعلمُ كيف أتخلص من ذلك الخواء الذي يحتل صدري. هززتُ رأسي هامسة "أنا بخير." كانت تعلمُ جيدًا أنني كاذبة، و برغم ذلك ربتت على يدي كي تبعث الطمأنينة إلى نفسي، أنا مُمتنة إليها كثيرًا .فأنا لم أكن لأجد شخصًا مثلها يُنصت إلى حديثي ذاته دون أن يصيبه الضجر مني و من نفسي المثيرة للشفقة.
حركت شفتيها قائلة في حماسٍ "كدتُ أن أنسى، لقد أحضر لنا رالف ثلاثةِ تذاكر لحضور حفلٍ موسيقي لفرقةٍ أجنبية." شعرتُ باضطرابِ خواطري، حماسةٍ ممتزجةٍ بقلقٍ و بعض الضيق و قد ظهرَ ذلك في ملامحي، فأنا أودُّ الذهاب، لكنني لا أُريد أن أكون عجلةً ثالثة في موعدهما، فهما لم يَعُدَا كلارا و رالف صديقيّ فقط، بل أصبحا زوجين، و لا أُريد أن أتطفل عليهما، فحاولتُ الإعتراضِ لكنها منعتني قائلة "لقد حسمتُ الأمر، سنمرُ عليكِ غدًا في تمامِ السابعة." وافقتُ على مضضٍ، رُبما قد أعتذر لاحقًا عن ذلك الموعد .
في تمامِ السابعة من ذلك اليوم كنتُ برفقتهم في السيارة مُجبرةً تمامًا على مُرافقتهما، كان يُردد رالف كلماتِ أُغنيةٍ ما كانت تصدحً من المذياع، و كلارا تُشاركه، بينما اكتفيتُ أنا بمراقبة الطريق من النافذة، حتى وصلنا إلى المسرح.
عندما طالعتُ واجهةِ الدار اللامعة تذكرتُ تلك الليلة عندما اصطحبني ويليام لمشاهدة ذلك الفيلم، فانقلبت شفتيّ عبوسًا، لأنها كانت ليلة سعيدة، لكنها أمست من أكثر ذكرياتي إيلامًا، فكلما تذكرتُ ما أفضيتُ به من خواطري إلى ويليام، أشعرُ بكرهٍ شديد لفعلتي، لأنه قد اتطلع على جزءٍ مني، و لم يُعر للأمرِ اهتمامًا. كل ما كان يُشغله أن أعترف ببريطانيا موطنًا لي، حتى و إن لم أكن أنتمي لها. بحقِ الله، روحٌ مُشتتةٌ كحالي إلى أين تنتمي؟ أحيانًا أتساءلُ لو كنتُ أنتمي إلى نفسي. أردتُ منه أن يسألني عن فرانز، أردتُ منه أن يسألني عن حالي، ألّا يخجل من أن يُبديّ اشتياقهَ لِي، لقد رأيتُ أسئلتَه تنبضُ في عينيه، لكنه لم يبح.
"هيا، يا ويندي." انتبهتُ من شرودي عندما ناداني رالف كي أدلفُ معهما إلى المسرح، كان يطغي عليه اللون الذهبي، و سجادٌ مخملي، و أخيرًا إضاءةً خافتة قد أزادتُ المكان فخامةً، جلستُ في المقعد المُخصص لنا، و بدأتُ في مُراقبةِ المكان، وفدَ الناس إلى الحفلِ، كلٌ يجلس في مقعدِه حتى لم يعد هُناك المزيد من المقاعد الشاغرة.
أنت تقرأ
Cherry Trees | أشجار الكرز
Romansو بينما كان يفوحُ في الهواءِ رائحةُ البارود المشتعل، و حيثُ كانت تقطعُ الطائرات الحربية صمتَ السماءِ، كانت تُحاول ويندي براون أن تحل مُعضلةَ الوطن، بالرغمِ من الحنين الذي يجرفُها بين يوركشاير الإنجليزية، و برلين الألمانية. فهل ستسمح الحرب لأشجارِ ال...