دعوةٌ على العشاء

1.2K 132 44
                                    

-

- الحادي عشر من يناير ، 1945

كان الألمُ يضرب رأسي كمسمار يدخل من عيني كي يخرج من مؤخرة رأسي، تحدثتُ في فراغِ صبرٍ "من بحقِ السماء يستمع إلى عدد القتلى أو الأسرى صباحًا؟" ثم نهضتُ مُغلقةً المذياع في غضبٍ، بين نظرات أبي و أمي المُستنكرة، بررتُ لهما بينما أعودُ إلى مكاني مرة أُخرى "لقد سئمتُ من تلك الأجواء المشحونة." لم يرد عليّ أحدهما، أبي استمر في متابعة جريدته، و أُمي تطالع مجلات الموضة المعتادة.

"ما رأيكما بأن نذهب إلى مكانٍ آخر؟" عرضتُ فكرتي في شيءٍ من الحماسة، فرفعت أُمي نظرها عن مجلتها أخيرًا "لقد فكرتُ في أن نذهب إلى أقاربي في الشمال، لكن بعد انقضاء الشتاء." زفرتُ في مللٍ متهكمة "لم يكن ذلك ما أعنيه، لقد فكرتُ في هامبورج في الربيع، إنها جميلة للغاية، و قد اشتقتُ إليها."

سخرت أُمي "أظن أن الحرب لها رأي آخر في ذلك يا عزيزتي، أم أنكِ لا تتذكرين السبب الذي تركتِ فيه هامبورج لأجله؟" ذلك الرد قد أصابني بالخذلان، فلولا الحرب لكنتُ الآن في هامبورج، أُكمل دراستي.

طرقعتُ أصابعي كي أجذب انتباه كريستال التي تقف عند الباب بلا حراك، لكنها نظرت إليّ في ضجر ثم زادت ابتعادًا. تلك القطة ليست مهذبة البتة. مررتُ أصابعي بين خُصلاتي مُردفة في كثيرٍ و الكثير من الأسى "إن الملل يأكلني، ليت كلارا لم تتزوج و تتركني." ابتسم أبي مُشيرًا نحو الطاولة الصغيرة أمامنا "سيساعدك قليلاً من الشاي." فاستسلمتُ و صببتُ لنفسي بعض الشاي.

أحيانًا - و أعني بذلك الكثير من الأحيان - أشعر برغبةٍ عظيمة في الهربِ من هُنا، بعيدًا عن الصخب، رُبما لو كنتُ وُلدتُ على جزيرةٍ ما، في كوخٍ يقع فوق رمال الجزيرة، و البحر على مقربةٍ من الكوخ كي أذهب إليه متى أشاء. فلذلك لا أنسى حقول يوركشاير حتى لو وددتُ ذلك، و لم أنسّ قط. كما أشتاق إلى البحيرةِ الصغيرة التي تقبع خلف المنزل. فعلى الأقل كنتُ أخلو بنفسي أمامهما متى أشاء.

استيقظتُ من أفكاري على صوتِ سوزان التي تقدمت قائلة "لقد جاءت رسالة من السيد فرانك هيرمانّ." شعرتُ بأن الشاي قد توقف في حلقي، فسعلتُ عدة مرات متتالية، كانت الدهشة تعتليني للغاية. أمسك أبي بالخطاب و لم يُنكر الدهشة التي تعتلي وجهه أيضًا. وضعت أُمي مجلتها مُتسائلة "ما الذي قد يُريده؟"

كنتُ أحترقُ شوقًا كي أعرفُ ما في الخطاب لدرجةٍ تدفعني كي أنتشلُ الخطاب من يد أبي و أقرأه عوضًا عنه، لكنني بالكاد التزمتُ الصمت. تحدثَ أبي دون أن يرفع عينِه عن الخطاب "إنها دعوة للعشاء."

قالت أمي "يبدو أنه يحتاجك في عملٍ ما." فهزَّ أبي رأسَه "كلا، إنها دعوة لنا جميعنا، مساءً في منزلهم." و للمرة الثانية تضربني صدمة أُخرى. صحتُ في دهشةٍ "مساءً؟ مساء اليوم؟ لكننا لا نمتلكُ الوقت الكافي كي نتجهز!" نظروا لِي جميعًا في تعجب، أبي و أمي و كذلك سوزان.

Cherry Trees | أشجار الكرزحيث تعيش القصص. اكتشف الآن