بين المروج

856 105 17
                                    

-

التاسع من مارس، 1941

نظري كان مُعلقًا بها، حينما تضحك و تُغلق عينيها، تأملتُ النمشِ المُبعثر على وجهها، و خُصلاتها التي تصل إلى كتفيها، و التي تتراقص كُلما حرّكت رأسها. ذبتُ و الله ذُبتُ و أنا أراها تُربت على الحصانِ بهدوء، ثم تقترب قبل أن تُقبِل جبهتُه. كيف لشخصٍ ما أن يحمل ذلك القدرَ من اللطافةِ؟

وقفتُ أُراقبها ببلاهةٍ تنبضُ من عينيّ، لكن سُرعان ما أبعدتُ عينيّ عندما وجهت نظريها نحوي، تحركت يدي على ظهرِ الفرس السوداء قبل أن يرتفع صوتها مُتسائلاً "ألم يكن لكَ حصانًا؟" كُنا في وقتِ الظهيرة في مزرعة عائلتي. فقد دعوتُ عائلتها اليوم لكي تحظى بوقتٍ هادئ في المزرعة بين المروج الخضراء، و لكي ترى الخيول المُحببة إليّ.

و على ذكرِ سؤالها، قاومتُ عبوسي و الحزن الذي داهمني عندما تذكرتُ فرسي الطيب، لكن ويندي قد لاحظت الأسى على قسماتِ وجهي بينما أُخبرها "كان لديّ فرس لم أشهد جمالهما قبل، كانت مُهرة شقراء جميلة، لكنها مرضت ثم فقدت حياتها."

لاح بعض الحزن على وجهها الفاتن، بينما تحركت يدها لتمسح على ظهرِ يدي في عزاءٍ لمصابي، نظرتُ إلى أيدينا، لا أعلمُ ماهية تلك المشاعر الغريبة المتخبطة في داخلي، حتى أن ضلوعي تكاد أن تتهشم من فرطِ نبضاتِ قلبي. حركت شفاهها هامسة "آسفة، لم يجدر عليّ تذكيرك بالأمر."

أعلمُ أنكِ قد رأيتِ على وجهي خجلاً، فسحبتِ يدكِ عن خاصتي في خجلٍ مُماثل للذي قد ظهر على وجهي. فأردفتُ أنا بينما نقود الفرس الأسود نحو المروج "لا بأس، لقد كنتُ في الثامنة عشر، قبل أن أُغادر.. و كأنها قد مرضت لحزنها على رحيلي." أنهيتُ حديثي ضاحكًا، إنه لشيءٌ مُزري عندما تُنهي مأساةٍ ما بضحكةٍ جافة.

أعدتِ ابتسامتك مُجددًا على وجهك ثم سألتيني "ماذا عن تلك الجميلة؟" فبدأتُ أقص عليكِ حكايتها، بينما نسير عبر المرج الأخضر، و الرياح تضربُ أجسادنا، دافعةً خُصلاتك بأن تتراقص برفقتها.

"لم أشهد حُضورها فقد كنتُ في أمريكا ذلك الحين، لكن ستيفان قد اشتراها لأجل ابنتِه، و أسماها أليسون تيمنًا باسم ابنته." أنهيتُ حديثي ناظرًا نحو ستيفان الذي كان يجلسُ بعيدًا بمفردِه يُطالع كتابًا ما.

لا أعلمُ يا ويندي كيف توطدت علاقتنا في تلك الأيام القليلة مما دفعني كي أفتح لكِ قلبي الذي لم أذكرْ قط أنه أفضى بمكنونِه لأحدٍ من قبل، كما بُحتُ لكِ أنا بكل شيء. أخبرتُها بعلاقةِ ستيفان و زوجتِه التي انفصلت عنه منذُ عامين، و أخذت ابنتهما معها. قالت ويندي بينما تُطالع ستيفان العزيز معي "يا له من مسكين، آملُ أن يساعده مرور الأيام في شفاءِ جراحِه."

"لم يتعافَ، لم يستطع.. حتى أنه حاول السفر إلى مناطق شتى هربًا من الذكرياتِ التي لا تُفارقه. أنا فقط لا أفهم لماذا قد هجرته زوجته هكذا بلا سبب؟" كان صوتي منكسرًا، فأنا لم أكن لأشهد ستيفان هكذا لو لم تتركه زوجته. التزمت ويندي الصمت، فعلمتُ أنها تفكر، كما الحال معها دائمًا.

Cherry Trees | أشجار الكرزحيث تعيش القصص. اكتشف الآن