ندوبٌ

3.4K 329 62
                                    

-

سرتُ ذهابًا و إيابًا في الغرفة، قلقًا على ما أصاب ويندي، حين رافقتها العمة ليندا، فهي لم تتناول العشاء برفقتنا و لم تخرج من غرفتها منذ ذلك الحين متعللة بأنها متعبة، في حين اكتفى عمي بإلقاء نظرات صامتة على ليندا. عزمتُ على أن أتجه إلى ليندا حتى أفهم، فرُبما ما أصاب ويندي ليس بهينٍ، فوجدتُها في المكتبة تقرأ كتابًا، حمحمتُ حتى تنتبه لِي، أخفضت نظارتها عن جسر أنفها مبتسمة "ويليام.."

"عمتي، أعتذرُ حقًا على تطفلي لكن ما الذي دفع ويندي إلى عدم تناول العشاء؟" سألتها قلقلاً متخذًا مكانًا مجاورًا لها، أجابتني في هدوء "تعلم جيدًا أن الباخرة ليست بالطريقة المُثلى للسفر، الغثيان يُرافقك لأيامٍ." فعلمتُ أن ليندا لن تبوحَ بشيءٍ أكثر مما فعلت. تساءلتُ مجددًا "أعتذرُ مجددًا، لكن لو يحق لي أن أتساءل لماذا لا تدعين ويندي تعود للجامعة فحسب؟"

استغرقها الأمر دقيقة حتى تُجيب "أنتَ لا تعلم شيئًا عن خوفي عليها، يا ويليام. أخشى أن أخسرها و هي بعيدة عني، أنا في برلين و هي في هامبورج؟" أنهت حديثها مستنكرة قبل أن تُردف "أشعرُ بالغربة لمجرد تخيل الأمر."

كنتُ مشوّشًا للغاية، حتى أردفت العمة مجددًا "ستكون بمفردها برفقة نصفها الإنجليزي، تعلم عمّا يحدث بين البلدين - بريطانيا و ألمانيا - من مشاكل فأخشى أن يُصيبها مكروهًا، فهي ليست إنجليزية خالصة.. و ليس الألمان متسامحين جميعهم مع الجنسيات الأخرى."

نعم قد أصابت في ذلك، فالألمان يرون نفسهم الشعب الأسمى، و عادةً أتعجبُ، هل السيدة ليندا كانت تحمل طباعهم قبل زواجها من عمي؟ تهكمتُ في داخلي قبل أن أقول "لكن أعتقد أن الفتيات الجامعية مختلفات، دعيها فحسب تحقق مُرادها."

"ويليام، أنا أتفهم جيدًا كم تهتم لأمر ويندي، لكن هناك الكثير لا تعلمه، أنتَ لا تعلمُ عن خطيبِها و عائلته، و رغبته الشديدة في الزواجِ منها، كما أنها لم تعد صغيرة." أصاب حديثها فؤادي، فلم أستطع أن أتحدثَ، لماذا يظهر ذلك الرجلُ في حديثي مع أحدهم، ألم أكن أنا الأحقُ بها؟

لاحظت ليندا صمتي فأردفت "لكنك لن تحرص عليها كما أفعل، و ربما شدتي معها في كثير من الأحيان هو من شدة خوفي على طفلتي." همست بصدقٍ قد نبت من بين حروفها، فترجيتها "رجاءً عمتي، فكرِ بالأمر." مسحت على يدي في رفق "سأفكر من أجلك."

ما كذّبت ليندا بشأنه هو خوفها بأن يزداد اشتعال الحرب، فتفقد ابنتها. فهي تعلم أن ويندي شرارة متقدة، و آرائها و معتقداتها عن السلام لا الحرب قد تُلقي بها في الجحيم النازيّ المتعصب. لم تستطع ليندا قط التخلص من مخاوفِها، فهي ترى في نفسها والدتها التي فقدت ابنيها في الحرب، و هي لن تعيش لحظة لو فقدت ويندي بأي طريقة من الطرق. فأن تكون ويندي أسفل جناحيّ أمها أفضل من أن تحلق بعيدًا وحدها.

Cherry Trees | أشجار الكرزحيث تعيش القصص. اكتشف الآن