نجومٌ خافتة

1.2K 124 20
                                    

-

"لقد كان من أول الأشخاص الذين استعانوا بأعمالي، صممتُ له مزرعتَه كاملةً. الحظيرة، اسطبل الخيول، و النافورات، كل شيءٍ كان من تصميمي منذُ ست سنوات، منذُ أن جئنا إلى ألمانيا." أخبرني أبي بينما يُدخن سيجارِه جالسين في شُرفة منزلنا، كان يَقُصُّ عليّ معرفته السابقة بالسيد هيرمانّ.

تساءلتُ في شيءٍ من الدهشة "لماذا قام باختياركَ، يا أبي؟ فكلانا نعلمُ جيدًا أن علاقتنا بالألمان ليست طيبة تمامً." ضحكَ أبي "نصفُكِ الإنجليزي يطغي عليكِ الآن." اتسعت ابتسامتي بينما يُردف أبي "لأن السيد هيرمانّ مختلف، لا يهتمُ لعِرقك و ما شابه، كما أنه يمتلكُ ذوقً رفيعًا للغاية، لم يكن ليجده إلا عند أبيكِ."

صدحت ضحكاتي عندما تحدث أبي بذلك الفخر. أردفَ أبي من جديد "السيد هيرمانّ يمتلكُ شركةً ناجحة بالفعل للمقاولاتِ و أعمال البناء، أنتِ تعرفين ذلك، لذلك فهي عائلة تهتم بعملِها حقًا، حتى ابناء هيرمانّ قد سلكا درب أبيهما."

لكنني همستُ في ريبةٍ بعد ذلك " أتعلم، لقد أخبرتني كلارا أن ابنه الأصغر، ألكسندر ذلك.. كان خارج البلاد منذُ زمن." أومأ أبي لِي "بلا، لم أرَه من قبل، فقط سمعتُ عنه."

سخرتُ في اشمئزاز "يبدو أنه قد عاد كي يحظى بامرأة تُنجب له، كعادة الرجال هنا." كنتُ أُريد إجابة لجميع تساؤلاتي لكن أبي قاطعني مُتثائبًا "ليلةُ هنيئة عزيزتي، سَنُكمل حديثنا صباحًا، لقد تأخر الوقت." أومأتُ له بينما استلقيتُ على المقعد و مددتُ ساقيّ على المقعد الآخر، اُواجه السماء بنظراتي، تستريح كريستال على بطني، حتى أنها كانت تتثاءب قبل أن تُغمض عينيها واضعة رأسها بين ساقيّها، أخذتُ أمسح على فِراء الصغيرة كي تخلد إلى النوم.

كان الجو يمتلئُ بشيءٍ من البرودة، هربَ من صدري تنهيدةٍ. كانت النجوم مُتناثرة في صفحةِ السماء، تضوي أحيانًا و يخفتُ ضوؤها أحيانًا أُخري، كأفكاري التي تزداد توهجًا ليلاً.

كنتُ أُفكر في ويليام، كان هُناك بعض الأسى الذي اجتاح صدري عندما تذكرتُ نظراتِه التي كانت تتهمني بالخيانة ذلك اليوم، حينما أخبرته بضرورة عودتي إلى برلين. أخنتُ صداقتنا حقًا؟ فأنا أعلم تمامًا في داخلي أنني لم أتعمد خيانتِه، أم دفعتُه كي يُلقي بحتفِه في تلك الحرب اللعينة؟

إن كنتُ قد أصبتُ نفسه بالخذلان، فقد سمحتُ له بأن يُسدد سهام الموت إلى صدري عدة مرات. لقد مات بسببه في داخلي كُل شيء جميل قد شعرتُ به، قد أمست ذكرياتُ طفولتي و مراهقتي كابوسًا لِي أكره أن تزور عقلي يومًا، و كُلما أتذكرُ نكرانِه لمشاعري التي كننتُها له يومًا ما يزداد كُرهي لنفسي المُقيتة، لا سيما شعور الذنب الذي لم يُغادرني لحظة.

فقد زدتُ شقاءَه شقاءً، رُبما قد صدق فيبدو أنني خذلته مرتين برحيلي، الأولى عند وفاةِ والدِه، و الثانية عندما تركتُه دون عزاءٍ عندما علمنا بالتحاقِه بالجيش، لكنه بالمقابل قد اتهمني كثيرًا بأُمور لم أفعلها. اتهمني مرة بأنني قد وقعتُ في حب خليلي فرانز، و أنا لم أفعل. اتهمني مرة أُخرى بأنني سأتزوجُ أموال فرانز، لا فرانز نفسه، و قد كان ذلك يؤلمني و إن لم أبُحْ. كيف يظن مني أن أحب شخصًا و قد نسيتُ حُبَّ نفسي منذُ أمد، كيف أشعرُ بالحب و قد مات كل شيء داخلي عدى الأسى، و كأن فؤادي قد تهشم لثقل الشعور بالحزن الذي أصابه. ما غدوتُ إلا مُظلمة الصدر، فقد أكلت النيران كل شيءٍ طيب قد شعرتُ به يومًا، أكلتني النيران حتى استحال فؤادي رمادًا.

Cherry Trees | أشجار الكرزحيث تعيش القصص. اكتشف الآن