فيضٌ من السعادة

867 114 29
                                    

-

كانت كلارا تقف مُمسكة بيدِ ويندي الحبيبة حيثُ استكان خاتم خطوبتها في بنصرِها الأيمن، و بينما كانت وجنتاها تكادان أن تتشققا من فرطِ الابتسام، قالت كلارا في نبرةٍ حالمة "ويندي براون مخطوبة؟ لا أكادُ أصدق." ضحكت حبيبتي في سعادة تنظرُ إلى الخاتم اللامع "أنا أيضًا لا أُصدق، أُقسم أنني أخاف أن أجد كل ذلك حُلم، يا كلارا." ضحكت كلارا متفهمة خوفِ صديقتها، قبل أن تسحبها في عناقٍ تُحاول امتصاص خوفها "بلا، تلك حقيقة..ستكونين زوجتِه، و سيلحقُ اسمه الأخير باسمكِ." دمعت أعين صغيرتي هامسة بصوتٍ متهدج "لم أكن يومًا سعيدة هكذا."

بلا، لا زلتُ لا أُصدق، أنا ألكسندر هيرمانّ سأتخذُ لِي زوجة؟ بل سأمكثُ في برلين لأجلِ تلك الفتاة أيضًا. ما الذي فعلتِه بِي، يا ويندي؟ بل كل ما أدركه هو أنني أُحبك، أُحبك بقدرٍ من المشاعر لم أعتقد يومًا بأنني أحملُه بين جنباتِ الفؤاد.

بعد الحديث المُطوّل الذي خضتُه برفقةِ الحبيبة، أتفهمُ مخاوفها، و بعد أن أخبرتها بأنني راضٍ بأي قرارٍ تتخذه .أوصلتُها إلى منزلها دون أي حديث آخر عن موضوع زواجنا، كي لا أُزيد من ضغطي على نفسها المسكينة، و قد قاومتٌ رغبتي بأن أتوسلَ إليها بأن تقبل.

جلست تُحادث والديها بما حدث، فقابلوها بمشاعرٍ مختلطة. حتى سألتها أُمها – السيدة العزيزة ليندا – حاسمةً الأمر "هل تُريدين الزواج من ألكسندر، يا ويندي؟"

تنهدتُ ويندي بينما تُفكرفي حديثي، لقد أخبرتُها بأنني سأمكث حيثما تُريد، سواء في برلين، كاليفورنيا، يوركشاير أو حتى في أبعد بلاد الشرق، أي مكان ستمكثُ فيه سأتخذُه لِي موطنًا. أقسمتُ على أنني سأتفهمُ رغبتها في عدم الحصول على أطفالٍ، سأتفهمُ حتى رفضها للزواجِ مني.

لكن ما لم أُدركه هو أن ويندي تعتقد أنني لم أترك لها خيارًا للرفض. حيثُ كنتُ أجهل أنها قد وجدتُ فيّ كل ما طلبته يومًا، و لم أُدرك أيضًا أنها لم تُرد يومًا أن تبقى بجوار أحدٍ سُواي. يؤسفني أنني لم أُدرك كل ذلك في وقتٍ مُبكرًا، لكن لم يكن لِي حيلةٍ في ذلك. فويندي الحبيبة، كانت تخجل من أن تُظهِر مشاعرها لِي.

نهضَ أبوها من مكانه عندما لاحظ ترددها، ثم وضع يده على كتفها، و رافعًا ذقنها باليِد الأُخرى "ابنتي، أنا لم أشهدكِ يومًا حزينة، كما وجدتُكِ عندما غادرنا برلين.. و إن سألتيني عن رأيي، فـ ألكسندر شاب مهذب للغاية، و مجتهد، طيبُ القلب.. و يُحبك، و لن أجد لكِ زوجًا أفضل."

ارتعشت شفتا ويندي، و اضطربت أنفاسها قبل أن تُعانق أباها في قلةِ حيلة، تعترفُ له بما يُعيقها "لكنني أخاف ترككما، بل لا أُريد ذلك." ربّت روبرت على ظهرها مُتفهمًا "لكن عليكِ يومًا أن تُغادرينا، كي تحظي بعائلةٍ خاصة بكِ، زوجًا، و أطفالاً صِغارًا سيمتلكون جزء كبير من فؤادك، و إن لم يكن فؤادك كله."

ضربت كلماتِ روبرت فؤادِ ويندي بقوةٍ، فدفنت وجهها أكثر في صدرِه، لا تريد منه أن يرى دموعها. بينما نهضت أُمها كي يتعانق ثلاثتهم، ثم شدت عناقها حول صغيرتها قائلة "نحنُ سنظل دائمًا معكِ، إلى النهاية."

و أنا أيضًا يا ويندي، أقسمُ بأنني لن أخذلكِ، بل سأبقى إلى جواركِ، و سأحبك حتى النهاية. في تلك الليلة اتخذت ويندي قرارها الذي أخبرتني أنها لم تندم عليه لحظة، و أرسلت لِي خِطابًا تُخبرني فيه عن ردها، و هي تعلم جيدًا أنني أنتظر في توترٍ. و كتبت لِي بمشاعرٍ مختلطة بين السعادة، و الحب و الخوف.

العزيز ألكسندر،

بكلِ اقتضابٍ ، أنا أحبُّ أن أكون زوجةً لكَ .

ويندي براون


كانت كلماتٍ قليلة حقًا، لكنها كانت تعني الكثير لِي و لها، و قد كفيلة أن تُشعرني بأحاسيسٍ غريبةٍ، الفرح المختلط بالرغبةِ في البكاء. لم أستطع السيطرة على نفسِي عندما قرأتُ كلماتِها المعدودة. فتنهدتُ حتى هربَ من ثغري أنفاسٌ متهدجة، ثم أطرقتُ رأسي للأسفل، بينما أشعرُ بوخزات الحُبِ في قلبي. لم أتوقع قط بأنني سأجد نصفي الضائع، فقد بحثتُ أعوامًا و أعوام، حتى فقدتُ الأملِ. و لم أتصورُ قط بأن تكون تلك الفتاة الصهباء التي وقفت عند حافة الباب تستمع إلى عزفي، ستكون زوجتي.

ما إن وجدتُها ذلك اليوم، شعرتُ برابطٍ بين أفئدتنا، حتى أنني أنكرتُه خوفًا. لكن كان هُناك شيئًا في أعينها يُناديني، و بينما كانت تهربُ مني، كنتُ أقدِمُ نحوها. فأنا على عكسِ عادتي الخجولة، كنتُ أُحب أن أخوضَ خطواتٍ في تلك الأرضِ المُسالمة، فإن روح ويندي لم تهجرها كما كانت تدعي، بل أنها كانت مُخبأة فحسب. فتلك الروح النقية لا يجب أن تُدنَّس و أنا لن أسمح لنفسي قط أن أُسبب لها أذى. فـ ويندي الصهباء كانت تدعو للسلام كأشجار الكرز خاصتها تمامًا.

أسرعتُ بمسح دمعةٍ دافئة قد تسللت من عيني رغمًا عني، ثم اتجهتُ نحو الطاولة حيث اجتمعت حولها أسرتي الحبيبة، كانوا يجلسون في الحديقةِ، أسفل الشمسِ الدافئة. لاحظتني أُمي بينما أتقدمُ في خطواتٍ بطيئة، فقد كنتُ بالكاد أستطيع السيطرة على أوصالي. نظرت إليّ في قلقٍ، و هي تعلم أن الأمر مُتعلق بِي أنا و ويندي.

ارتعشت شفتيّ، و قلتُ بينما أضحكُ في خجلٍ "متى سيُقام زفاف طفلكم الصغير؟" يا إلهي، كنتُ أقول تلك الكلماتِ، وبينما أكاد أموتُ من فرطِ السعادة. ضحكت أُمي بينما تسحبني كي تُعانقني بقوة، بينما نهضَ ستيفان غير مُصدقًا "ألكسندر هيرمانّ العازف عن الزواج يتساءل عن زفافِه؟" و أخبرني أبي بأنه على استعداد أن يُقام الحفل الآن. لقد غرقنا في فرحٍ لا نهاية له. أترين يا ويندي ما الذي فعلتيه بنا؟

لكن لم يكن هُناك شخصًا أكثر سعادة من ساره التي شعرت أنها مُطمئنة النفس على ألكس الصغير.

أنا أٌحبك للغاية يا أُمي.

-

Cherry Trees | أشجار الكرزحيث تعيش القصص. اكتشف الآن