-
- الثاني عشر من ديسمبر، من عام 1940. ولاية كاليفورنيا، الولايات المتحدة.
كانت ليالي كاليفورنيا متشابهة، الكثير من الأصدقاء، الكثير من الألفة المصطنعة. الجميع يتجاهل مصائبِه بالكثير من الضحكاتِ الزائفة، و لا أحد يُلقي بالاً إلى ما يحدث خارج تلك الحفلات المتكررة.
و أخيرًا، الكثير من الزيف الذي لم يعد ألكسندر هيرمانّ يتحمله. فاتخذَ مجلسًا بعيدًا على المقعد بجوار الشرفة يُطالع السماء التي تضوي فيها نجوم بعيدة. انتبه إلى السيدة الشقراء التي اتكئت على ظهر المقعد الذي يجلسُ عليه متسائلة "لماذا تجلس بمفردك، يا ألكس؟" كانت تلك هي ماري سميث، صديقتُه و أخت صديقه. فابتسم لها ألكسندر هازًا رأسي "الصداع يكاد يفتك برأسي، و أردتُ الابتعاد عن الصخب فحسب."
ضحكت ماري ثم جلست على المقعد أمامه قائلة في حماسٍ شديد "أتوقُ حقًا للذهاب إلى برلين، لقد كدتُ أن أنتهي من تجهيز حقائبي." ارتفعت زاوية فمه في تهكمٍ فمن يتوق للذهاب إلى الجحيم؟
لاحظت ماري سخريتَه، و شعرت بشيءٍ قد جرحها، فقالت في اقتضاب بعد أن أزالت ابتسامتها عن ثغرها "أعلم ما يدور في عقلك من مخاوفٍ، لن يعتقد أحد من أهلك بأنني زوجتك المستقبلية، فالجميع يعلم بغضك لفكرة الزواج." زفر ألكسندر في ضيقٍ، فذلك لم يكن مقصده قط، حتى و إن خطرت تلك الفكرة حاول أن يُوضح لها "لم أعنِ ذلك قط، كل مقصدي هو أن الألمان لن يقبلوا بِي كألمانيّ مغترب، فما رأيكِ عن أمريكية؟ الحرب قد زادت من تعصبهم، يا ماري." لقد كان ألكسندر خائفًا كثيرًا من العودة إلى الموطن.
تهكمَ تلك المرة في داخلِه، فأي موطنٍ ذلك؟ الموطنُ الذي يلفظُه في كلِ مرةٍ يعودُ فيها إليه؟ أم الموطن الذي يُشعره بغربتِه؟ اقتربَ نحوهما بيتر – شقيق ماري – مبتسمًا "ما الخطب؟" هزّ ألكسندر رأسَه مبتسمًا بأن الأمورَ على ما يرام، اتكئت ماري على ذراعِ بيتر قائلة "بيتر، ألا نستطيع إقناعه بأن يعزف لنا قليلاً على البيانو."
لم يكن ألكسندر في مزاجٍ جيد، فهزّ رأسه بينما يغلق أزرار سترته "في مرةٍ أخرى، يجب أن أذهبَ إلى بيتي الآن." كادت ماري أن تعترض لكن بيتر قال مربتًا على يدها "لا بأس، لقد تأخر الوقتُ بالفعلِ." أخبره ألكسندر بأن يُخبر الجميع سلامه، لأنه لم يكن في مزاجٍ جيد لصنع حديث آخر، ثم رحل.
لاحظَ بيتر صمتَ ماري، فسألها مُجددًا "ما الخطب؟" هزت رأسها بينما تُراقب ألكسندر من الشرفة يسير على الرصيف "أشعرُ أن ألكس يبتعد، و يزدادُ صمتًا اليوم بعد الآخر." وضعَ بيتر يده على كتفِ ماري يطمئنُها "إن ألكس كان صامتًا طُوال الوقت.. كما تعلمين عن حساسيتِه بشأن العودة، و قلقه على والدته المريضة." عضت ماري على شفتيها ساخرة "الأمر لا يبدو كذلك يا بيتر." ثم رسمت ابتسامة على ثغرها هامسة "هيا بنا، لنغادر نحن أيضًا."
دفع ألكسندر باب المنزل متنهدًا في تعبٍ، فكَّ ربطة عنقه و ألقى بجسده على الأريكةِ، لم يكن تعبه يكمن في جسده، كان شيئًا آخر مجهول، شيئًا يكمنُ في نفسِه.
مدّ يده ملتقطًا خطاب أخيه الذي أرسله إليه صباحًا، أعادَ قرائتِه مِرارًا. كان على مرور عشرة أعوام بعد أن غادر ألمانيا مُراهقً، يعودُ إليها في أوقاتٍ متفرقة من العام، لكن سُرعان ما يرجعُ إلى كاليفورنيا حيث يقضي أوقاتًا بين العمل الذي ألفه و أصدقائه. لكن العودة تلك المرة ليست مماثلة لكل مرة ذهب فيها إلى بلده. فهناك هاجسٌ يُراوده بأنه ما إن يُغادر كاليفورنيا فلن يعود مرة أُخرى.
حسنًا، لو فكر في الجانب المشرق، فقد اشتاق إلى عائلته كثيرًا، أمه و أبيه، و كذلك ستيفان أخيه و ابنته المشاكسة، لا بد أنها قد ازدادت طولاً. لاحظ ألكسندر ابتسماته التي غزت شفتيه، إن العودة لن تكون سيئة إلى ذلك الحد. و سيكون برفقته بيتر و ماري حيث أصرّ كلاهما على السفر معه حتى يتسنح لهما فرصة زيارة برلين.
رُبما تتبدل الأمورُ أخيرًا إلى الأفضل.
-
أنت تقرأ
Cherry Trees | أشجار الكرز
Romanceو بينما كان يفوحُ في الهواءِ رائحةُ البارود المشتعل، و حيثُ كانت تقطعُ الطائرات الحربية صمتَ السماءِ، كانت تُحاول ويندي براون أن تحل مُعضلةَ الوطن، بالرغمِ من الحنين الذي يجرفُها بين يوركشاير الإنجليزية، و برلين الألمانية. فهل ستسمح الحرب لأشجارِ ال...