عينان باسمتان

1.8K 221 46
                                    

-

أحتاجُ إلى مئات السنين إن أردتُ أن أصِف جمال تلك الليلة يا ويندي، بالرغمِ من عدم تصريحك بأنكِ تُفضلين هُنا عن أرضِ خطيبك الألماني، لكنني ما زلتُ أشعرُ بأصابعكِ بين خاصتي، و حين ذهبنا لمشاهدة ذلك الفيلم، استراحت رأسك على كتفي، وجهتُ نظري نحوك لأجد نفسي أغرق، كلا بل أذوبُ لوجودك إلى جواري.

لم أنتبه إلى العرضِ البتة، لكنكِ فعلتِ و وقعتِ في حب الفيلم، شاهدتُ ذلك في عينيكِ اللامعتين، في حركة شفتيكِ، و كذلك حين تضغطِين على أصابعي.. شعرتُ لوهلة إنكِ تبادليني المشاعر ذاتها، فأخبريني أن ذلك لم يكن وهمًا قد نسجه خيالي.

"إنها أفضل أُمسية قد حظيتُ بها منذُ زمن، يا ويليام." أباحت في سعادة بينما تسير إلى جواري إلى خارج السينما، وجدتُ إنه الوقت المناسب حتى أخبرك عن سعادتي، و كعادتي لم أختر كلماتٍ واضحة، فقط تفوهتُ بعبارةٍ مُبهمة آملًا منكِ أن تفهمِي مقصدي "ويندي، إن البرودة التي كست فؤادي تغادره منذ عودتك." و كأنني شاهدتُ عينيكِ تبتسمان آنذاك!

"أنا سعيدةٌ لأجلِ ذلك." حدثتيني مبتسمة، حينها شاهدتُ فتى يبيع بعض الأزهار فتذكرتُ هيامك بالأزهار "لحظة.." أخبرتكِ فعقدتِ حاجبيكِ متعجبة، لكنني لم أسمح لكِ بأن تتساءلي، هرولتُ فحسب نحو الفتى و اخترتُ زهرة حمراء تتناسبُ مع فُستانكِ الفيروزي، لطالما أحببتِ اللون الفيروزي. اكتفيتُ بالصمتِ بينما أهديكِ الزهرة، جعلتُ عينيّ تتحدثُ حينها بدلاً عني، لعلّهما يُبليان صنعًا.

شاهدتُ تورد وجنتيكِ هامسة في امتنانٍ دون أن تنظرِي إلى عينيّ "ذلك نُبلاً منكَ.." هربت ضحكة من شفتيّ بينما نسير إلى مكان السيارة، كُنتِ تسيرين على بُعد إنشات، تمسكين بالزهرة و تنظرين إلى خطواتك على شفتيكِ طيف ابتسامة.

ميّزتُ شقيقيّ يستندان إلى السيارة، و ليون الذي نكز چوناثان في ذراعِه حتى ينتبه إلينا، حاولتُ كبح ابتساماتي حين رأيتُ نظرات چون التي تتساءل إن نجحت الليلة أم لا، و لحسن حظي لم تنتبه ويندي إلى تلميحاتهم أو رُبما فعلت.

كنتُ أختلس بعض النظرات إليكِ أثناء قيادتي حين جلستِ إلى جواري تتأملين الزهرة بشرود. عند عودتنا بعد انسحاب التوأمين شكرتيني على تلك الليلة "لقد سُررتُ بتلك الأمسية." أومأتُ لكِ هامسًا "ليس بقدر سُروري." طال الصمتُ بيننا، طال حتى حفظتُ ملامحك، لطالما أحببتُ الصمت بيننا.

أردتُ أن أجذبها بقوةٍ في عناقي، أردتُ أن أمسكَ يدها و ألثمُها، لكن لمّا طالت حملقتي بـ ويندي، هربتِ سريعًا في توترٍ "رُبما عليّ الذهاب." استندتُ إلى السيارة أُراقِب البدر الذي انتصف السماء و على ثغري ابتسامة لم أقوَ على إزالتها. أكان قرارًا صائبًا ألّا أُعطيها الخاتم؟ أعلمُ أنه كان يجدرُ عليّ إعطاءها إياه، لكن قد أرادت نفسي الأنانية أن تصنع المزيد من الليالي السعيدة كتلك.

كان المنزل هادئًا فأدركتُ أن الجميع قد لجأ إلى غرفتِه، عدا روزالين التي كانت بخاصتي، فقد وجدتُها قد تسطحت على فراشي، و كانت تبتسم نحوي تُريد أن تعرف ما حدث بيننا. فككتُ ربطةَ عنقي ساخرًا "أراكِ تبتسمين في بلاهةٍ يا روز، ما الأمر؟" اعتدلت في جسلتِها "هل أعطيتها الخاتم؟"

سألتني مبتسمة في ترقبٍ، فهززتُ رأسي نفيًا بينما أخلعُ سترتي، عبست روزالين موبخة "لماذا تنتظر؟ هل ستنتظر حتى تغادر مجددًا؟" أسرعتُ نحوها مُلقيًا السترة على الفراش "أشعرُ بحبها يا روز، لقد رأيتُ ذلك في عينيها!" مسحت روزالين على وجهي متسائلة "حقًا؟ "

أومأت لها مبتسمًا في سعادة "يبدو أن هناك المزيد من الأيام السعيدة." ربتت روزالين على وجنتي هامسة "لكنها لا زالت مخطوبة، يا ويليام." تنهدتُ في ضيق ثم أومأت في تفهم طابعًا قبلة على جبينها، ساعدتها على النهوض عن الفراش.

أخبرتني مبتسمة بأعين لامعة "لقد أخبرني مايكل في رسالتِه عن موعد عودتِه." أردفت مُجددًا "سيعود الشهر القادم، حتى يظل إلى جواري آخر أشهر حملي، لكنني خائفة للغاية." أفصحت عمّا يدور في داخلها.

جلستُ إلى جانبها متسائلاً "لماذا؟" دمعت عيناها هامسة "خائفة ألّا أنجو، أخاف أن يصيب طفلي مكروهًا، و أخشى أن أُغادر مايكل بينما أضع الصغير، أو أن تزداد همًا برحيلي يا ويليام." انقبض فؤادي لتصور الأمر، فصحتُ بها متلعثمًا " إياكِ.. إياكِ يا روزالين أن تتحدثِي عن ذلك الأمر، جميع السيدات تلدن و تنجو كل واحدة منهن."

"هل ستعتني بطفلي؟" سألتني بصوتٍ متهدج، فضممتها إلى صدري " سأحفظه من كل سوء، سأخبئه عن العالم، لكنكِ ستنجو، سأسأل الله كل ليلة أن يحفظك لِي يا شقيقتي." بقت روز في تلك الليلة تُحادثني عن غرفة الطفل، و الأغراض التي طلبت من مايكل أن يحضرها، و عن مدى اشتياقها لمايكل فقد مضى شهران دون أن تراه.

و بالطبع قد نالت ويندي جزء من تفكيري، كيف تقضى الليلة الآن، وكيف لِي أن أعرف؟

كان العم روبرت يدخن سيجارًا، حتى ذهبت إليه ويندي قائلة "أبي.." أزاح السيجار عن شفتيه مبتسمًا لها "ماذا تفعل؟" سألته بينما تتخذ مكانًا على المقعد المجاور.

"ليس بالشيء المهم.. أخبريني، كيف كانت ليلتك؟" سألها لتقول في اقتضابٍ "على ما يُرام، كانت جيدة." نظرً روبرت إلى أعين ابنته المحملتين بالذنبِ، كان هُناك شيئًا خاطئًا. فوضع السيجار جانبًا و أمسك بيديها هامسًا "أشعرُ بشيءٍ يدورُ في خلدِكِ افضِي به إليّ."

سحبت شهيقًا إلى صدرِها طالبة إليه بصوتٍ متهدج "ساعدني.. ساعدني يا أبي في التخلص من تلك الزيجة الفاسدة."

-

Cherry Trees | أشجار الكرزحيث تعيش القصص. اكتشف الآن