-
كان شفقُ إحدى الأيامِ، حيثُ كانت تتأرجحُ ويندي في حديقتِنا و تعانقُ خصلاتُها الصهباءُ الهواءَ، بينما تُطلِقُ ضحكاتٍ مرحة حين أدفعُها كي تُحلقَ أكثر، ما زلتُ أتذكرُ فستانَها الأزرق الذي قد تلاءمَ مع شعرِها و ضوءَ الشفقِ، فرسمت يومها لعينيّ لوحةً رائعة.
ويندي، أتذكرين ذلك اليومَ؟ حين صرختِ في الفراغِ أمامك ضاحكةً في سعادة، كان قلبي يضربُ صدري بقوةٍ بسبب ضحكاتِك ، يضربُ و يضربُ، لكنني اكتفيتُ بالصمتِ كعادتي، عاجزٌ تمامًا عن الحديثِ، رُبما كان عليّ حينها أن أُخبرَكِ عن كم أُحبك، قبل أن تتعقدَ الأمورُ، كان عليّ إخبارك بها منذ ست سنوات.
كيف فقدتِ روحكِ، يا ابنة العم؟ ما الذي دفعك حتى تبقين على تلك الأرجوحةِ دون حراكٍ؟ دون أن تطيرَ خصلاتُكِ الصهباء في الهواءِ، تجلسين الآن صامتةً، عابسة. و أجلسُ أنا إلى جوارك لا يروقني صمتك.
"ماذا أصابَكِ؟" سألتُها، و أعني بذلك بكاءها على جزعِ الشجرة . لم تحرك شفتيها حتى، لم ترمش بعينيها. كررتُ سؤالي غاضبًا "ويندي، ما الذي أصابك؟" همست في هدوء "دعني و شأني." وقفتُ أمامها "كلا، أنا أهتمُ لشأنِك." رفعت نظرها نحوي مطولاً، تعانقت أعيننا لثوانٍ قبل أن تهمس في ضعف "أنتَ لم تفعل قط."
تقدمتُ نحوها هامسًا دون أن أسمح لذاتي أن تُفكِر "بل دائمًا ما فعلتُ." لم تفترق أعيننا، أردفتُ مُجددًا "كيف لِي ألّا أهتم لأمرِك، يا ابنة العم؟" كنتُ أتساءلُ متعجبًا حتى شاهدتُ لمعان عينيها و كأنه ينقصها أن تزدادَ جمالاً.
غزت ثغرَها إبتسامةٌ صغيرة، و تلاعب النسيم الدافئ بين خصلاتها الصهباء، و تفتحت أزهارٌ وردية على وجنتيها خجلاً، و كأن الهالة الذهبية حول رأسها قد ازدادت توهجًا حين ابتسمت، بالكاد استطعتُ كبح نفسي من معانقتها بقوة حتى تلتحم ضلوعنا.
"يجب أن تُخبريني بما حدث حين تُريدين." أنبأتُها مبتسمًا فأومأت لِي دون أن تُزيح ابتسامتها "سأفعلُ حينما أشعر بإنني أفضل." كنتُ أستند إلى الشجرة التي تُجاور الأرجوحة، سألتُها رغم إنني أعلمُ بأنها لن تُعطيني إجابة "أتودين الرحيل عن هنا؟" كنتُ راضيًا حينما وجدتُ الصمتَ منها فقد اعتدتُه، حينها ظهر التوأمان.
لقد كنتُ ممتنًا لهما كثيرًا، فكلاهما قادران على تغيير مزاج أحدهم المتعكر إلى الأفضل. همس چون بنبرتِه النبيلة التي يتميز بها عنّا - أعني أنا و ليون فنحنُ نرتبك كثيرًا و بالكاد نتحدثُ بكلمتين دون أن نتلعثم - "أتقبلين تلك الزهرة، أيتها الجميلة؟" ضحكت ويندي قائلة "لكنني لستُ بجمالك، يا چوناثان."
"لا تُغازليني." ضحكنا على رد چون و من ثَمّ بدأ ليون في دفع الأرجوحة في رفق، لتهرب ضحكاتٌ متقطعة من ثغرِ ويندي عندما بدأت تُحلِق، نظرتُ إلى ليون و چون في امتنان، كلاهما جزءٌ كبير من حياتي و بالطبع روزالين و طفلها الذي لم يولد بعد. شاهدتُ ويندي تتأرجح في راحة، تهز قدميها في هدوء و راسمة ابتسامتها على ثغرها، رُبما يمكننا استعادة أرواحنا القديمة.
"لقد فكرتُ في اصطحابكم إلى السينما الليلة." أخبرتهم مبتسمًا و ليصيح چوناثان و كأننا لم نُخطط للأمر منذُ لحظات "أنتَ الأفضل، يا شقيقي." قالت ويندي مبتسمة "لم أشاهدْ فيلمًا منذُ زمن." استمعنا إلى صوت روزالين من خلفنا "چوني، أحضر لِي كرسي من فضلِكَ." فأومأ لها راكضًا حتى يحضر لها كرسي تجلس عليه.
"روزي، كيف حال طفلِك؟" سألتها مساعدًا إياها حتى تجلس، تحدثت في نبرة قلقة "تزداد حركته يومًا بعد الآخر." ثم تبدلت قسماتُ وجهها من القلق إلى الابتسام "أو رُبما يشتاق إلى والدِه فحسب." ثم أرتنا ورقةً مطوية قبل أن تردف "لقد راسلني مايكل، يُخبرني عن حاله دوني." قد عانق الحزن صوتها فمسحتُ على رأسها ممازحًا "أعتقد يا روزي ليس هو فقط من يشتاق."
"لا تجعل الخجل يُصيبها!" وبختني ويندي ضاحكة، همست روزي "أنا لم أخجل، أنا حقًا أموت له اشتياقًا كل ليلة، أنا أكره تخبئة مشاعري." كانت تنظر لِي مبتسمة و كأنها تُخبرني إنه الوقت المناسب للتحدث. نظرت إلى ويندي قائلة "مايكل أخبرني منذ ثاني لقاء لنا، إنه يُريد الزواج مني، قد وقع لِي من أول مرة تلاقينا فيها، خاطر عندما أخبرني بذلك و هو لم يعلم بأن المشاعر متبادلة. لو تمهلنا لحظتها عن ذلك القرار، لكنتُ فقدتُه."
"لقد كان مايكل أفضل هدية قد أحضرتها روزي يومًا." تحدث ليون في سعادة "أتمنى رؤيتَه حقًا." قالت ويندي، رُبما مايكل هو أفضل رجل قد رأته عيناي، و قد فازت بِه روزالين .
في حين ذكرت روز أمر مايكل ، تبادر إلى ذهنِ ويندي فرانز، فما الذي يدفعه للزواجِ منها؟ هل استطاعت أن تكسب قلبه حقًا كما فعلت روز مع مايكل، أم يدعي ذلك كي يُنفذ رغبة والده فحسب؟ هل يُمكن أن يتبدل نفورِها تجاهه إلى حُبٍ؟
بعد المغيبِ، ذهب كلٌ منا إلى غرفتِه، و فتشتُ في خزانتي على الخاتم حتى وجدته، كررتُ في داخلي يجب أن يصبح في إصبعها الليلة.
وضعته مكانه و أخرجت المذكرة الزرقاء التي أعطتني إياها و بدأت في الكتابة، لابد من أن أبوح بقليلٍ من مكنون صدري، سحبتُ نفسًا عميقًا إلى صدري ثم سمحتُ للقلمِ أن يتحرك فوق الورقة ، ليكتب رسالة أُخرى لن تُرسَل.
-
أنت تقرأ
Cherry Trees | أشجار الكرز
Romanceو بينما كان يفوحُ في الهواءِ رائحةُ البارود المشتعل، و حيثُ كانت تقطعُ الطائرات الحربية صمتَ السماءِ، كانت تُحاول ويندي براون أن تحل مُعضلةَ الوطن، بالرغمِ من الحنين الذي يجرفُها بين يوركشاير الإنجليزية، و برلين الألمانية. فهل ستسمح الحرب لأشجارِ ال...