أخي الحبيب توماس

884 111 51
                                    

-

أخي الحبيب توماس،

لقد اقتربت زيارة فصل الربيع لنا، و كم أعلمُ أن ذلك هو الفصلُ المُفضل لكَ في السنةِ كُلها. سأقومُ بقطفِ الأزهار، إلا أن ذلك العام سأقومُ بجمعِها وحدي. لكن لا تقلق، يا توم، سأحرصُ على تجفيفِها جيدًا حتى عودتك. فقط عُد سالمًا لأجلي.
إن الكوخ الذي نقطنُ فيه الآن يبعثُ في داخلي دِفء لم أحس بِه قط من قبل، لم أحسه عندما كُنا في هُل. آه، يا أخي، يا ليتك هُنا جواري أمام المدفأة نتناول كسراتِ الخبز المُحمصة، مع كوب من الحليبِ الدافئ، ثم نرحل إلى الحقلِ سويًا مُتسابقين، و بقدرِ سعادتي هُنا أشعرُ بالوحدةِ دونك، و دون أن ترافقني في يومي.
إن چورچ سعيدٌ أيضًا هُنا، إلا أنه لا يمكثُ برفقتِي إلا قليلاً، فقد أصبح لديه صديقان - و ليسوا إلا توأمين أحدُهما يُدعى ليون، أما الآخر فاسمه چوناثان. لذلك إن اشتياقي لكَ مُضاعفٌ، يا أخي العزيز.
كل يومٍ أصحو فِيه بدونك، ألعن الحرب التي انتزعتك من جوارنا، لكن حدسي يُحدثني كثيرًا بشأنِ عودتك قريبًا. فلقد عاد السيد - الذي نعمل عندَه - من الحربِ. عاد إلى عائلتِه منذُ أسبوعين، و قد أعدت أُمه السيدة الجميلة كاثرين براون مأدبة عظيمة، و دعتنا إليها احتفالاً بها، و أما عن إخوتِه فلم تخفت مُوسيقاهم أبدًا.
أحيانًا أُساعد السيدة الصغيرة في الاعتناء بابنتها، ثم أعودُ إلى بيتنا عند الغروب، أتدثرُ في لحافٍ أُنصِتُ إلى المذياع كما اعتدنا أن نفعل.
أنا سعيدة للغاية، و أتمنى أن أمكثُ هُنا ما تبقى من شبابي و عجزي، على الأقل نحن آمنون هنا، في بقعةٍ بعيدة عن ركام الحرب، فلا تكبد نفسك عناء القلق علينا، و اعتنِ بنفسك.
لكن لا تخلفُ وعدك الذي قطعتُه لِي يا توم أبدًا، فأنا سأنتظرُكَ يا أخي، سأنتظرُكَ أبد الدهر، هُنا في يورك الجميلة.

أُختك إيڤ.

-

أعدتُ قراءة خطابي مرة تلو الاخرى حتى أتأكدُ أنه لا يحوي على أي أخطاءٍ، ثم طويتُ الورقةَ واضعةً إياها في ظرفٍ كتبتُ عليه اسم أخي و رقمِه و اسم كتيبتِه و قائد الكتيبة.

انتبهت أُمي إلى صوتِ خطواتِي على الأرضية الخشبية، فنهضت من مضجعِها مُتسائلة في قلقٍ "إيڤ، أُهناك خطبٌ ما؟" هززتُ رأسي قائلة في همسٍ حتى لا يستيقظ أبي "كلا، سأذهبُ إلى مكتبِ البريد أُرسل بخطابي إلى توماس."

أشاحت ببصرِها نحو النافذة هامسة "إننا لا نزالُ فجرًا، انتظرِي حتى يزدادُ بزوغ الشمس." لكنني اعترضتُ قائلة "كلا، إن السماء مُضاءة بالقدرِ الكافي." تنهدت أُمي مستسلمة "حسنًا، لكن أيقظِي چورج، و خُذيه برفقتك." أومأتُ على عجلٍ مُتجهة نحو غرفتي أنا و چورچ الذي كان يغطُ في نومٍ عميق، و يصدرُ منه شخيرًا خافتًا.

هززتُ كتفِه عدة مرات في مُحاولةٍ بائسة كي يستيقظ من غيبوبتِه، ففتح عينِه مُهمهمًا في فراغ صبرٍ، فقلتُ في نبرةٍ آمرة "چورچ، اصطحبني إلى مكتبِ البريد." لم أكد أن أُكمل جملتي حتى ضربني بالوسادةِ في غضبٍ "بربكِ يا إيڤا، الشمسُ بالكاد قد شقت طريقها في الأفقِ."

Cherry Trees | أشجار الكرزحيث تعيش القصص. اكتشف الآن