-
- الثالث من يوليو ، من عام 1940 .
جلستُ على حافةِ سريري، أُطالع انعكاسي بالمرآةِ، كانت الهالتان السوداويتان يُحيطان بكلتيَ عينيَ، وجهي العابس و حاجبيّ المعقودين، و أخيرًا وجهي الشاحب. قد مرّ أسبوعان منذُ أن علموا بأمر التحاقي بالجيشِ، قضيتُ معظم الوقتِ بغرفتي لا أغادرها إلا لتناول قليلاً من الطعام.
أتجنبُ الجميع، عمي او زوجته الذين يشعران بشفقةِ نحوي، چوناثان الذي يقضي ليلته برفقتي رغمًا عني، فهو يخشى أن يتركني، يخشى أن أُغادر قبل أن أقوم بتوديعه. كان أكثر ما يؤلمني هو أُمي التي لا تكف عن ذرفِ الأدمع كُلما تراني في مرمى بصرِها، و روزالين التي تدهورت صحة حملها، و كذلك ليون الذي يتدعيّ بأنني قد قمتُ بخيانةِ العهد الذي قطعناه بعدم وجود أسرار تُخفَى بين ثلاثتنا نحن الإخوة.
و أخيرًا ويندي التي انصاعت مستسلمة إلى طلب السيد هوبر والد خطيبها بالعودة إلى ألمانيا، كي يُقام الزفاف في أغسطس القادم. فهمَّ ثلاثتهم بالمغادرة، قبل الموعد الأصلي بأسبوع، قرارهم ذلك قد خذلني و فتك بما تبقى من روحي، و علمتُ حينها مُتيقنًا أنني قد كنتُ مُخطئًا بما ظننته عمّا تكنُّه من مشاعر إليّ، لقد كنتُ مُخطئًا تمامًا، و لن أستطيع أن ألتمس لها عذرًا أخيرًا، فهي قد وافقت على الرحيل، كي تتركني مجددًا في أكثر أيامي احتياجًا. خاصةً بعدما وصفتني بأنني مائت، أقسم أنني لن أنسى تلك الكلمات ما حييت.
برغمِ قرارها الأناني ذلك، حاولت التحدث إليّ العديد من المرات، لكن غضبي لم يسمح لها بأن تُحادثني في أمرِ الرحيل، بالطبع لم أسمح لها، فكيف لِي أن أسمع بتبريراتٍ كاذبة و أنانية؟
استمعتُ إلى طرقٍ على الباب، فقلتُ بصوتٍ مسموع "إن الباب مفتوح." رأيتُ في انعكاس المرآة الباب يُفتَح رويدًا و ظهرت أُمي من بين شق الباب. نهضتُ عن الفراش راسمًا ابتسامة صغيرة على ثغري، و كذلك أُمي قد ابتسمت بتكلفٍ نحوي، ثم أزالت بحة صوتها ثم قالت "أرى أنكَ لم ترتدي سُترتًك بعد." ابتسمتُ لها في صمت ثم اتجهتُ ساحبًا سترةً سوداء مُعلقة، رأيتُ أمي تجلس على فراشي، فجلستُ إلى جوارها دون أن أتحدث ، فقط مددتُ يدي كي أعانق يدها.
"أنتَ تقسو على نفسك كثيرًا." أخبرتني متنهدة في أسى، لم تجد مني ردًا، فأردفت مُجددًا "و تلك القسوة لا تنال منكَ فحسب، إنها تنال منا أيضًا." هززتُ رأسي قائلاً في اقتضاب "ذلك قراري، لن يدفعني أحدٌ إلى تغييرِه يا أمي." تركت يد أمي خاصتي ثم اتجهت إلى وجهي، لتمسح على وجنتي في حنو "ليس ذلك ما أعنيه، يجدرُ عليكَ ألا تُهدر تلك اللحظات بمفردك، و هُناك أمرٌ لم أود أن أتحدث عنه ذلك الأمر.. لكن ويندي لا تستحق ذلك الجفاء منك."
ارتفع صوتي غاضبًا "بلا إنها تستحق ذلك، ما بدر منها ليس إلا أنانية فلا تتكفلِي الدفاع عنها يا أمي." تنهدت أمي في تعب قائلة "أنتَ تُعيد كل شيءٍ، و كأنه فيلمٌ ما يُعاد مجددًا بكلِ تفاصيلِه." كانت أمي صادقة، فكان ذلك نفس شعوري التارة السابقة عندما علمتُ برحيلِ الصهباء.
أنت تقرأ
Cherry Trees | أشجار الكرز
Romansو بينما كان يفوحُ في الهواءِ رائحةُ البارود المشتعل، و حيثُ كانت تقطعُ الطائرات الحربية صمتَ السماءِ، كانت تُحاول ويندي براون أن تحل مُعضلةَ الوطن، بالرغمِ من الحنين الذي يجرفُها بين يوركشاير الإنجليزية، و برلين الألمانية. فهل ستسمح الحرب لأشجارِ ال...