بعد يوما طويلا ومجهدا ... ها هي بعد هذا العناء الكبير تنفرد اخيرا بنفسها لتستطيع ان تختلي بها لتصفيها ولتصفي ذهنها ايضا حتي تستعد لتلك المواجه ... انها المقابلة التي طال انتظارها اليها ... جلست وهي مسترخيتا علي كرسيها بعد ان ادارت احدي اسطوانتها المفضلة من الموسيقي الهادئة ولكن بصوت منخفض ناظرتا الي السماء امامها من شباك مكتبها لتسرح بخيالها فيه ...
فهو بالنسبة للشركة اهم عميل يمكن ان تحظي به شركتها وتلك الصفقة وان تمت فكم ستدعم موقفها امام مجلس الادارة خاصتا بعد ان تحملت مسئولية منصبها الجديد الذي كوفئت به نظرا لكفائتها واخلاصها في العمل علي الرغم من صغر المدة التي اشتغلتها بالشركة الا انها استطاعت ان تنول ثقة مجلس الادارة باكمله لتنصب مديرة لقسم العقودات والصفقات بالشركة الي جانب اهتمامها الشخصي بمتابعة خطوات تنفيذ اي صفقة بنفسها ...
اخذت تفكر في هذه المقابلة والتي ستعيدها لذكري برغم المها الا انها كانت بارقة الامل والسعادة الحقيقية التي عاشتها فيما مضي ... فها هي تقابلة بعد اكثر من عشر سنوات فراق ... اخذت تتخيل كيف سيتم هذا اللقاء ... وكيف سيكون شكله بعد كل تلك السنوات ... هل ما زال كما هو ام تغير ... هل لازال ذلك الشاب مفتول العضلات ذو البنيان الرياضي الجذاب ... ذو العيون المائلة علي الاخضر الزيتوني والشعر الكستنائي الغامق الكثيف...
كم كانت جاذبيته تجذب كل فتيات الجامعة اليه ولكنه لم يبادر ابدا الي ايا منهن كالذي احاط نفسه بسور من الفولاذ حتي لا يستطيع احدا اختراقه ... وعلي الرغم من انجذابها هي شخصيا الشديد اليه ... الا انها لم تفكر مطلقا ان تتقرب منه او حتي ان تتكلم معه كما كان باقي الفتيات يفعلن معه ... فقط اكتفت بمتابعة اخباره من بعيد دون ان تقترب ... كانت كثيرا تسترق السمع لحديث زميلاتها المفضل عنه وعن اخباره وما يفعله وما لا يفعله ... وكان اكثر ما يجذبها هو كلامهن عن كيفية تلاهف الكل عليه وعلي التحدث معه والتواجد في نفس المكان الذي يتواجد هو فيه ... وهو غير منتبه لكل هذا وغير مهتم ...
تنهدت بعمق بعدما تذكرت كيف مرت اربعة سنوات الجامعة وهي تعيش معه في صمت ... تتابعه وتعرفه وهو لا يعرفها ... اربعة سنوات ... كانت كافيه لتعرف عنه كل شئ حتي ادق تفاصيل حياته ... احبته لا بل عشقته في صمت ... وهو لا يعلم بوجودها في حياته ... لم تبادر للمصارحة ... لم تفكر ان تكون هناك واسطة بينهم حتي تفتح لها الطريق الي قلبه ... فاخفته بين طيات روحها ولم تذكره حتي لنفسها ... كتمت سرها ولم تصرح بمشاعرها واحاسيسها حتي لاقرب الاقرباء لها ... فقط اكتفت بحبها الصامت ومتابعتها لحبيبها دون هدف محدد لما يمكن ان تصل بهما الامور ...
اخذت تنظر الي هذا البعيد لتلمح اشعة الشمس التي اخذت تميل للمغيب ... وما ان رائتها ولاعبت الوانها عيناها ... حتي تذكرت هذا اليوم واللقاء الاخير ... اخر يوم جمعها به دون تحديد مواعيد ...