البارت الرابع والثلاثون

14.4K 692 57
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم
حدث بالخطأ
سلسلة "حينما يتمرد القدر"
بقلم "دينا العدوي
البارت الرابع والثلاثون
🌺🌺

اتعدني؟
اتعدني بالبقاء.. وإلا تفكر يومًا بالفراق
ان تكون شمسًا تشرق بالآفاق
وبالليل تتلألأ بالسماء، تنير عتمة روحي
فأهتدي بك وأليك ولا أخشى الضلال
اتعدني بأن تكون دومًا بالجوار، تأتي حينما أليك أحتاج
وان تكون لي الأمان، فأغمض أجفاني باطمئنان 
عدني وبحبك سأمن وأربط بك روحي وامنحك مقاليد قلبي،
لكن أرفق بحالي وبالحب اغمر وجداني ولا تستبح نسياني
وتتركني للشوق يبعثرني ونيرانه تحرقني...
**
من خلف أكوام الضباب، وسماء طمستها الغُمام، ولدتها رياح النفاق والخذلان، وزمجرة العواصف العاتية الجوفاء، التي احدثت بقلبي الخراب، أطللت أنت كشمسًا بهرت بالسماء، 
فشاع دفئك وتسرب بين الطيات، يلج للأعماق، حيث موقع الاعصار، يصارعه حتى الانتصار، طاردًا جحافل بقايا الماضي السوداء، نابشًا عن بُرعم أمل يرنو للازدهار،  فيسلط عليه دفئه حتى ينمو ويتشعب معمرًا لما سبق وكان خراب..

رجمها ركان بجمر الكلمات، التي سربت القلق بين الطيات،  فارتسم الذعر على السيماء وأهتز داخلها وجلًا عليه،  وبعد لحظات من التيه،  كانت قد حسمت أمرها وحملت طفلها الغافي وصعدت به ألى شقته، وقلبها يطرق بعظام صدرها بقوة حتى كاد أن يحطمها من حدة مشاعره في تلك اللحظة،  كانت تلهث وكأنها تعدو لأميال،  فالخوف عليه كان كوحشًا ضاري ينهش بها، فقد رسم خيالها صورة له غارقًا بالدماء لا تتفك إلا وترجم مخيلتها، فيهلع قلبها..
استمرت العبرات بالانسياب من مقلتيها تشق طريقها على أخاديد وجهها ألى أن وقفت امام الباب وضغطت على جرس الرنين...
كان رحيم ما يزال على الأريكة متسطحًا،  يشعر بألم طفيف، لا قدره له على تحريك كتفه المصاب، حتى استمع الى الرنين،  ظن أن  ركان قد عاد من جديد،  نهض متأوهًا وتوجه نحو الباب قائلًا بينما يقوم بفتحه:-
- إيه اللي رجعك تاني ـــــــــ
توقفت الكلمات بحلقه وتصنم بانشداه وهو يراها أمامه بوجهًا شاحب وعينين تلتمع بالعبرات،  تحمل صغيرها بين يديها، فهاله مظهرها وارتسم الهلع على محياه بينما يجتاح جسده رعشة قلق، استشعر فيها الاحساس بشيء سيء وأن هناك مكروه قد أصاب صغيره،  فأردف بنبره قلقه قائلًا:- 
  - خير عمران فيه حاجه! هو تعبان!..
كانت نظرات عينيها تصوبها عليه بقلق جمّ،  تتفحصانه بقلب يأن منتظر الاطمئنان، الى ان التقطت انظارها موضع اصابة كتفه، فشعرت بغصة مسننه به، وازداد انسياب الدمعات، ألى أن  انتبهت لحديثه لها،  فأمأت برأسها رافضه، جن جنونه لرؤية الدمع بعينيها، فهدر بنبرة مغلفه بالقلق::
- طيب فيكِ إيه!،  انتِ اللي تعبانة!،  حصل حاجه..
أمأت براسها له همسه بنبرة صوتها الحزين المغلف بالوجع :-
- أنت اتصبت، انت اللي بخير!، ليه ما قولتليش!..
اتسعت عيناه دهشه، بينما انتفض قلبه كطائر جسور هادر ليضرب بعظام صدره بقوه، وعقله لا يستعب أن حالتها هذه من اجله هو!، هل خشيت عليه حقًا،  هل هدرت تلك الألاء  وجلًا وقلقًا، لم يجيب بل استمر ينظر لها بعشق يطوف بين اغصان كيانه، فقد اهتز داخله في تلك اللحظة وشعر وكأنه يلامس عنان السماء، ظل هكذا خاضعًا لسحر تلك اللحظة وتأثيرها على قلبه، حتى انتزعه منها صوت نحيبها الذي تألم له، وطل بعينيه التأثر لحزنها، فأردف محاول تهدئتها وانتشالها من بؤرة حزنها قائلًا:-
  - اهدي يا ساره انا كويس..
لم يهدأ نحيبها الخافت، بل تحولت الدموع الى شلالات هادره ونحيبها الصامت الى شهقات متتالية وقد اكتنفها الادراك انها لا يمكنها فقدانه، وكأن لوجوده مجرى الحياه بروحها التي تأن ألمًا، وبدأ قلبها يحيك ندمًا وكل ما اقترفته بحقه بات وجعًا يدب بعروقها ويستبيح دمائها..
حزنها وانهيارها كان يشتته ويؤلمه إلا انه كان يدغدغ شيئًا بداخله وهو يدرك أنه وجلًا عليه،  وجلًا نتج عن شعورها اتجاهه،  شعور تمنى ان يكتنف قلبها له،  هنا وادرك أنه نجح في مسعاه وغرس بقلبها حبه،  يا الله ساره أحبته.. تحبه
بريق مختلف يلتمع بعينيه لأول مره تأثرًا بشذى تلك الكلمة
لينهرهه قلبه على تركه لها تتألم فمد يديه محاولًا اخذ الصغير منها وطمأنتها،  إلا أن تحركه المباغت جعله يجعد جبينه متألم دون أن يتأوه حتى لا يزيد حزنها مصممًا على اجتذاب الصغير منها،  لكنها تنبهت والتقطت عيناها ذاك التشنج المتألم فكان لتألمه ذات الاثر لقلبها، فتجاهلته وخطت الى الداخل باتجاه غرفة الاطفال تحت نظراته المنشدهه بفعلتها تلك..
وضعت الصغير على الفراش ودثرته، ومازالت عين السماء، خاصتها تهطل عبراتها على اخاديد وجهها الجفاء، بينما هو كان تحرك خلفها الى أن وقف على اعتاب الغرفة يراقبها مبعثرًا المشاعر،  رفعت وجهها نحوه تطالعه بنظرة مختلفة تقطر حبًا فاض وانسكب مع عبراتها، احساسًا جديدًا يغزوها تولد من ازمة أصابته وخوف فقده..
نظرتها تلك اخترقته، وأربدت كيانه،  وجد ذاته ينساق لها وقد إنهال أمام دموعها،  وقف أمامها بأنامل مرتجفة، راغبه بإزالة الدمعات المالحة من على وجنتيها،  لكن لم يحق له بعد ذلك، وخشى أن يغضب الله بها بأقل الافعال، حتى ولو بلمسه قصد بها مواساتها، إلا انه مدرك أنها ستأثره وتفتنه وتنتج عواصف هوجاء بقلبه، لذا تراجع وهمس قائلًا محاولًا بث الاطمئنان بقلبها:-
  - انا بخير يا سارة قدامك أهو ليه الدموع دي!..
أردفت بنبره ملتاعة قائلًة من بين نشيجها:-
  - كان ممكن نخسرك انا وعمران يا رحيم،  كان ممكن فجأه نكون لوحدنا من غيرك،  مش قادره اتصور أن ممكن ما تكونش بحياتنا تاني...
  يا الله هل ساره هي من نطقت بتلك الكلمات التي كان صداها بالقلب عاليًا،  كم ود لو كانت حلاله الأن لكان ضمها ألى صدره بقوة واخذ يعبر لها عن شعوره الأن بأكثر الطرق تحببًا لقلبه،  كانت شفتاه ستعمل على أغدقاها بكل ألوان العشق، لكن لا يحق له حتى مجرد الفكر، لذا لم يجد إلا المواساة بالكلمات قائلًا:-
  - وأنا موجود أهو يا ساره وبخير،  دا مجرد جرح سطحي،  ما يستحقش حالتك ودموعك دي...
إلا أنها أجابته بما جعل الكبول تقرع بقلبه،  حينما اجابت من بين نشيجها قائلة:-
  - أنت تستحق كل حاجه حلوه في الحياه يا رحيم..
 
هل هو حقًا على قيد الحياه الأن، أما أنه مات وبالجنة،  أو ربما هو يهلوس الأن تأثيرًا بجراحه وبالدواء، هل يستمع لتلك الكلمات منها هي سارة الجفاء، التي لطالما رجمته بجمر الكلمات، تغدقه بكل تلك العاطفة، ارتسمت ابتسامه صادقه على محياها مأردفًا:-
  - وانتِ كل حاجه حلوة أنا عايزها يا سارة..
  تخضبت وجنتيها بالحمرة وارتجف نابضها وتراقص بصدرها، وأشاحت بوجهها عنه لثوانًا قبل أن تتهرب قائلة::-
  - أنت تعبان ولازم ترتاح،  ادخل أنت اوضتك وأنا هروح المطبخ اعملك حاجه سريعة تآكلها..
  انهت حديثها وهي تتحرك مبتعدة باتجاه المطبخ مهروله بارتباك،  لترتسم بسمه واسعه على شدقتيه ويرفع رأسه يمسد بها خصلاته بسعادة طغت على وجع جرحه،  فتناسه وقرر التوجه خلفها نحو المطبخ واستغلال تلك اللحظة النادرة بينهما في تأملها والبقاء بجوارها....
***
دلفت الى المطبخ، ويداها على قلبها المتسارع الخفقات،  لعلها تحاول التهدئة من احتدام مشاعرها الأن وبسمه خافته تتسع رويدًا رويدًا،  حتى استمعت لصوته من خلفها قائلًا:-
  - أرتاح ايه!،  انا قاعد هنا في المطبخ معاكِ..
  استدارت له تبدي اعتراضها قائلة: -
  - لا يا رخيم ادخل اوضتك ارتاح..
  أماء براسه نافيًا وافترقت شفاه عن بسمه رجولية واسبل عينيه متغزلا واردف بنبرة صوتً رخيم:-
  - انا راحتي مكان ما انتِ موجوده، بلقى سعادتي واطمئنان روحي...
صمت دام لثوانًا عقب كلماته التي تزرع بقلبها ورود يفوح عطرها فينسيها عفن ما خيم على ماضيها، حتى قطعه هو قائلًا بعد تنهيدة مثقله:-
  - ثم أنا عايز اتكلم معاكِ بخصوص موضوع وفاء، لازم اوضح لك كل حاجه..
  ألا أنها أمأت برأسها رافضه، واردفت قائلة:-
  - مفيش داعي يا رحيم وفاء وضحت لي كل حاجه قبل ما تمشي...
  اكفهرت ملامحه وقد غزاه الضيق، واردف قائلًا بنبرة صوت اجش:-
  - يعني أنتِ هنا دلوقت عشان بس وفاء وضحت لك الحقيقة واكتشفتِ أن كالعادة بتحكمي من غير ما تسمعي وتقرري تبعدي، طيب ولو ما كانت وفاء حكيت لك يا ساره، كنتِ هتتأثري بحالتي بردك ولا كان ممكن وقتها ما تهتمي بحالتي ولا باللي جرالي، ما هو انا كنت في عينيكِ الراجل الخاين اللي قلبه اسود تمام شبهم ويمكن كمان تقولي ان ربنا انتقم لك مني.
غضب غير مبرر اكتنفه، جعله يتفوه بتلك الكلمات، ربما كان عليه عدم قولها وتجاهل الالم الطفيف الذي شعر به لكونها لم تعطه فرصه للتبرير واوصلت الحال بينهم الى ما كان، بينما جلست مع الاخرى واستمعت لها وصدقتها، على غراره هو  الذي سعى للتوضيح لها، لكنه اراد تعنيفها، قاصدًا بحديثه هذا تأنيبها حتى تتعلم أن تثق به وتستمع له اولًا قبل ان تصدر حكمها، لكنه بالغ في اخر كلماته ما كان عليه قولها، وخاصة لأدراكه الأن  في تلك اللحظة أنها احبته وان ردت فعلها كانت ناتجه عن غيرة  أوقدت بقلبها كما اخبره رحيم وقد اتضح انه صدق.
طلت بعينيه أطياف الندم على ما قاله، خاصة حينما صدرت منها شهقة منفلته، وقد برقت عينيها ببريق صدمه طاحت بها الألم رافضه لكلماته المجحفة تلك بحقها، إلا أنه تحكم بمشاعره قائلًا:-
  - أنا هروح أرتاح اوضتي أرتاح
  وتحرك مغادرًا، تاركًا اياها تتخبط نادمه لعدم استماعها له سابقًا بل ورجمه بقسوة كلماتها الحمقاء التي ألمت قلبه وجعلت يظن بها ما قال، للحظات بقيت موضعها، قبل ان يكتنفها الاصرار لمحادثته، وتحركت خلفه..
**
دلف هو ألى غرفته، وقد بدأ شعور ألم كتفه يداهمه، تحرك صوب الخزانة يخرج احد القمصان له، حتى يتخلص من ذاك الذي يرتديه، وبدأ بمحاولة فك آسر ازرار قميصه بأنامل ذراعه اليسرى الغير مصابه، حينها كانت هي تتجه نحو الغرفة المنفرج بابها، تقتحمها بقرار التوضيح له، ولم تنتبه لما يفعله، فقد كان ظهره لها، إلا انها تصنمت موضعها حينما وجدته ينزع كم قميصه عن ذراعه السليمة، شهقت بخجل    واستدارت تنوي المغادرة، إلا أن تأوه صدر منه وهو يلتفت لها مباغته وهو يعافر محاولًا اخراج ذراعه المصابة من الدعامة المعلقة برقبته منعها من المتابعة، وجعلها تستدير نحوه بهلع قائلة:-
  - رحيم انت كويس بتتوجع..
  اردف قائلًا بنزق وقد امتعضت ملامحه وبدى عليها الشعور بالألم:-
  - عايز اخلع القميص وألبس غيره ومش عارف من ذراعي

"حدث بالخطأ "سلسلة "حينما يتمرد القدر"  بقلم دينا العدويحيث تعيش القصص. اكتشف الآن