البارت الثاني والاربعون

14.9K 688 52
                                    


بسم الله الرحمن الرحيم
حدث بالخطأ
سلسلة "حينما يتمرد القدر"
بقلم "دينا العدوي
البارت الثاني والأربعون
🌺🌺
اهطل أيها المطر
لعلك تطفئ لهيب روحي
أنا أحترق، داخلي يحترق
أذوب كشمعه تحترق
أنه العشق الويل له ولقلبي الذي أحب
كنت اسيرًا له، اتبعه مجبرًا
ضربه تلو ضربه ولم يتعلم ابدًا
ألى أن قادني نحو النيران  وتركني
وها أنا احترق، فأهطل أيها المطر
واطفئ نيراني الموقدة..
هناك أشخاص لا نستطيع تجاوزهم، نتمسك بهم، نتقبل افكارهم، تغيراتهم وطبائعهم، نغفر لهم هفواتهم، ونلتمس لهم آلاف الاعذار، نخدع ذاتنا لنقنعها بكذبة أننا نعني لهم، ولنا مكانا في قلوبهم، ليأتي يومًا ونصعق بالحقائق المؤكدة أننا لم نمتلك المكانة التي توهمنا بها، فيا لكسرة قلوبنا حينما تسحقنا اعترافاتهم ..
  ـــــــــــــــــ

كان يسير بالطرقات  هائمًا بملامح وجه جامده يشوبها الحزن والألم الذي يمزق داخله، فلم يشعر بالوقت الذي مر عليه،  فقد كان يحلق في عالم بعيدًا، مهزوم هو فيه ومنكسر ، حينما بدأت قطرات المطر بالهطول على رأسه بوتيرة منخفضه،  فبدء الجميع من حوله يهرع هنا وهناك منه يختبئ ما أن ازداد انهمارًا، إلا هو بقى يسير بلا مبالة أو ربما كان راغبًا أن ينهمر عليه لعله يطفئ نيران روحه الموقدة ويغسل عنه أحزانه، ألى أن زادت الاجواء الباردة من حوله وابتلت ملابسه فبدأت البرودة تأكل أطرافه بلا رحمه وتنخر اوصاله حتى شعر أنها ستشله، فقد كانت البرودة تكتسحه من الداخل والخارج، فأرتجف جسده بقوة أثرها، وهذا ما جعله ينتبه لحالته الرثة، المثيرة للشفقة، وهذا ما يمقته بشدة، فتكابد وتصابرت نفسه في كتم اوجاعه، رغم الألم العنيف الذي يضربه، إلا أنه جاهد ليلملم ذاته ويجبر كسر روحه، وابتعد لجانب الطريق، ليوري جسده أسفل إحدى الاشجار..
حينها تسللت رائحه شهيه لأنفه ذكرته بأحدهن سبق وطلبتها منه ولم يتثنى لها تناولها، فأنتبه لذاك البائع المتجول الذي يبتعد عنه ببضعة خطوات، فوجد قدميه تتحرك نحوه لا اراديًا، ووجه ملائكي يتجلى بمخيلته بابتسامته الحانية التي شعر وكأنها مرهمًا لجروحه المتقيحة ، فهدئت ثورة نفسه لتجسدها أمامه، متذكرًا أن عليه أن يرضي فلم يتركه الله خالي الوفاض، بل أنه لم يكسر بخاطره،  فهناك طفلًا له تحمله هي بأحشائها، تلك البريئة التي اوجدها الله بطريقه لتحفظ جنينه وتهتم به، رغم كل المعاناة التي عانها، تبقى هي الضوء وسط عتمته، شمسه الساطعة..
كان قد وصل للرجل البسيط ذات العباءة الرمادية اللون والذي يقف بجوار عربته يخرج لأحدهم بعضًا من البطاطا الساخنة والتي يلجأ لتناولها بعضهن لتدفئ جسده من برودة الهواء، فطالب الرجل بتحضير بعضها له وقد تذكر فورًا أنها لم تتناول طعامها منذ وقتًا طويل ومؤكدًا ستسعد أذا احضرها لها، ظل ينتظر لبعض الوقت ألى أن انهاها البائع له، فأعطاه المال بوفره، ثم اشار لأحدى سيارات الاجرة  المارة موقًفًا احداها واستقلها عائدًا ألى المشفى، ينوي اعطاءها اياها، لعله يمني ذاته بنظرة رضى تطل من عينيها..
**
مر بعض الوقت والصمت يخيم عليهما، تستكين هي في أحضانه ظاهريًا، بينما بداخلها يعلو ضجيج مشاعرها تخبطها، خجلها، ووجلها مما حدث منذ قليل، لم تظن يومًا أن  تنال مثل تلك النظرات الراغبة منه لها، والتي يا للعجب نفرتها وبثت الذعر بحنايا قلبها حينها، فقد رأته آخر نفرته  وذكرتها بلياليه المظلمة، لذا لم تتقبلها منه، ليست تلك النظرات التي ترغب رؤيتها، نظرات شهوة ورغبه، بل تمنت ان ترى العشق يطل من مقلتيه لها، ولا تدرك أن عشق الرجال مختلف عن عشق النساء، فعشق الرجال مكلل برغبة موقدة للمرأة التي تمتلك مشاعره، تلك فطرة خلقها الله به، أن عشقه يترجمه هكذا،  لكن العُطب كان بها هي،  بما مرت وأثر بالسلب على نفسيتها،  والتي تجعلها تنفر اللمسات ونظرات الاشتهاء العاشقة، لكن ايضًا داهمها الشعور بالذنب اتجاه ما تفوها به ثغرها والتي من المؤكد أساء فهمها وظنها تنفره، لذا اضطربت من تلك الخاطرة ورفعت عينيها ليقع بصرها على ملامحه المرتسمة بالحزن، وبنظرات يطل الذنب منها والخجل اردفت قائلة بنبرة متلعثمة:
-ركان أنا أسفه، أنا مش كان قصدي والله..
  قاطعها قائلًا:-
ششش أنا فاهم ومقدر كل اللي مريتي بيه، وفاهم اللي عايزة تقوليه!، اللي انتِ مريتي بيه مش قليل، واظن ان احنا تكلمنا قبل كده في الموضوع دا، بس اخرنا التنفيذ، عشان كده لازم في اقرب وقت ننفذ يا بوسه من بكرة هحجز لك عند الدكتور النفسي ولازم تروحي..
تغضنت ملامحها بالضيق وتفوهت باعتراض قائلة:-
بس أنا قولتلك قبل كده اني مش هروح واني بخير..  اردفت بتلك الكلمات وهي تحاول النهوض من فراشها،  منعها هو عن النهوض وشدد في ضمها قائلًا:-
-بس انتِ مش كويسه يا بوسة،  ونفسيتك تعبانة ومحتاجه تتابعي مع دكتورة عشان تكوني افضل وأطمن عليكِ،  اللي عشتيه لسه مأثر عليكِ واللي حصل من شوية اكبر دليل على دا..
  صمت للحظات قبل أن يرتسم الحزن بصورة اكبر علي سيمائه وبهتف بصوت يقطر وجع وألم يفتك به قائلًا:-
-عارف وفاهم أنك في اللحظة دي افتكرتِ ماضيكِ وان رفضك مش ليا وأنك متأثره بألآمه، بس هنتجاوز دا سوا ، انتِ لازم تتعالجي وتتعلمي ازاي تنسي الماضي عشان مستقبلنا سوا.
وكأن كلماته الأخيرة كانت أكثر من كافيه لها لترضى، وتخضع وتقر بحاجتها للعلاج من أجله هو من أرضى قلبها بكلماته عن مستقبلهما سويًا، مستقبل حلمت به وظنته مستحيلًا، لكن القدر كان كريمًا، وقدم اليها فرصة بقربه عليها ان تغتنمها، لذا لن تعارضه، ستخضع للعلاج من اجله، من اجل تحقيق حلمه وحلمها ايضًا، بطفلًا منه، بل بالعديد من الاطفال التي تعلم جيدًا رغبته بأنجابهم، لكن ترى هل يرغب بهم من رحمها، مثلما تحلم هي بحملها نطفته!..
وكأنه استمتع لحيرتها وتخبطها، فأضاف قائلًا:-
-أنا حلمي يكون عندي اطفال كتير،  كنت بتمني ربنا يرزقني، ولدين وبنتين..
ثم أضاف قائلًا:-
-بس بعد ما تجوزتك وأنا غيرت رأيي خالص..
  انقبض قلبها وطالعته بتساؤل قلق، فتابع مبتسمًا:-
-بقيت بفكر ان اكتفي بالأولاد بس، لأني مش حمل يكون عندي بنات قمرات شبه مامتهم كده، لان وقتها هغير عليهم جامد وهعمل مشاكل كتير بسببهم..
رفت ابتسامة خجل على محياها دامت لثوانًا قبل ان تهتف بمشاكسه قائلة:-
-بس أنا عايزة يكون عندي بنت شبهي زي ما حابه يكون عندي ولاد كتير شبهك...
وكأنه حصل على ما يرغب فقد ابتهج قلبه وارتسمت سيماء الارتياح وامارات الانشراح على وجهه، حينما أردفت بكلماتها  تلك عن موافقتها ورغبتها بأطفالًا منه يشبهونه، فقد تحدث وبداخله خوف من أن يري في عينيها رفضًا، لكنها وكالعادة تثبت له كم تعشقه هي في كل حديث بينهما، فيشعر بعوض الله حقًا بها، وكأن القدر أراد تعويضه عن حبًا سام، بحبًا يرضي قلبه ويسعده كحبها، ليتمتم بالحمد والرضى والشكر بداخله على قدر غفل عنه وكان خيرًا له...
لذا هتف بنبرة مغلفة بالسعادة والرضى قائلًا:-
-وأنا موافق وأمري لله، بس لازم تعرفي اني غيور جدًا جدًا ولازم تعتادوا دا..
تكلل وجهها بالسعادة بعدما ازالت الحزن الكامن على محياها معلنه اكتفاءها منه...
ليتابع هو قائلًا:-
-من بكره هخدك الجامعة وهتبدأي تداومي وتهتمي بدراستك وبعدها هخدك على الدكتورة..
صمتت وكان في صمتها دلاله على أذعنها لحديثه، حتى هتف قائلًا:-
-النهاردة كان يوم متعب في الشغل وكمل باللي حصل مع نيرة وجود،  الحمد لله انهم بخير ومفيش وحده تضررت بشدة..
اردفت قائلة::
-الحمد لله أنا كنت قلقانه جدًا فعلًا على البنت اللي أسمها جود دي،  شكلها طيبه ومستحيل تعمل كده وتوقع نيرة من على السلم..
  تبسم هو حينها وتشدق قائلًا:-
-اظن انك سبق واسترسلتِ عن احساسك اتجاهها وثقتك انها استحاله تعمل كده لما سبق وكملتيني..
  وكأنه أستدعى ماردها الغاضب بحديثه هذا، وتناست سؤاله عن ماهية علاقة هذا الثلاثي ببعضه، فأنسلت من احضانه وناظرته بملامح يرتسم عليها الحنق والغضب..
نظرها بتعجب لفعلتها تلك، بينما هي نفخت الهواء من فاها لتزيل الخصلات المتطايرة على وجهها، قبل ان تتخصر أمامه وتهتف قائلة بحنق:-
-صحيح كويس انك فكرتني يا حضرة الضابط،  هو يصح مراتك تكون بتكلمك وتطلب منها تديك غيرها تكلمها!..

"حدث بالخطأ "سلسلة "حينما يتمرد القدر"  بقلم دينا العدويحيث تعيش القصص. اكتشف الآن