2.3K 222 374
                                    

الفصل الأول:
اللَّيلة الأَخيرَة.

"البَيْدَقُ الوَرديّ والبَيْدَقُ الأَزرَق."

-

روما، حيثُ أرخى ليلُ يوليوز سِتارَه فَدَنَت الحرارة ليحل محلَّها نسيمٌ عَليل مُشبَع بِـ عَبيرِ المطبخ الإيطالي ذو أريجِ الثوم والريحان.

وبعد أن كانت الشَّوارع مَهجورَة بِسبب شَمسِ النَّهار اللَّاهِبة، دَبَّت الحَياة كالعادة في كُلَّ غُـروبٍ مع إنتِشار السُّياح والسكان المحليين في رُبوعِ المدينة، وإِمتزجت أصواتهم مع أصواتِ الموسيقى التي يعزفُها عازِفوا الشَّوارع. جَلس البعض في المقاهي و المطاعم المنتشرة على الجنبات، فَـ مِنهم من إنشَغل بِتَلَذُّذ البيتزا الطازجة، ومنهم من يحتسي القهوة الإيطالية ذات الرائحة الساحرة، بينما يستمتع الآخَرون بآيس كريم جيلاتو المنعش.

إختار الآخرون التِّجوالَ بين معالِم المدينة الأثريَّة. جلسوا في السَّاحات وتمشوا في الأزقة العتيقة. يتأملون العِمارة الرومانية التي تحكي قصص من الزمن الغابر. وكل هذا تحتَ ضوءِ القَمر الفضي وأضواء أعمدة الإنارة الذهبية.

بدوره الكولوسيوم الشَّامخ يَتَبَختَر تحت الأضواء الذهبية التي خُصِّصت له، يشُدُّ إليهِ الأنظارَ بِسحره التاريخي الذي لا يخبو.

كانت روما ببساطة، تلك المدينة التي يعود إليها شبابُها وجمالُها في الظَّلام. تُشبه لوحة فنية حَيّة، تَختلِطُ فيها ألوانُ البهجة وتُعزَف فيها سيمفونِيّةُ حياةٍ لا تَنتهي إلا بِعودَة قَيْظِ النَّهار.

ولكن، هل وَحدها موسيقى الجمال التي تُسمَعُ ليلاً في إيطاليا؟ أَ هُناك موسيقى لا تُسمع؟ موسيقى ليست جميلة؟ كموسيقى الموت مثلاً؟

وسط كل ذلك الطَّرب والصَّخب، تَواجَدَ شَخص. لم يكن سائِحاً، ولا مِن السُّكان المحليين. وَحدَهُ يَعلمُ أنَّها ليلَةٌ مَصيرِيَّة..

وقف بعيدا عن الأنظار، الظلام النسبي في تلك البقعة يجعل ملامحه غير واضحة، بعيدا عن وضعه لتلك القبعة التي زادت الغموض حول هويته.

تجاهلت عيناه ذات الطيف الأزرق اللّازوردي كل تلك الحركات المضحكة التي يُشكلها السياح وهم يرغبون في إلتقاط صورة مع الكولوسيوم، عوض عن ذلك فقد أطال التحديق في الأفق البعيد مُنتظرا معجزة تُخلصه من هذا العذاب..

ولم يمضي على وقوفه هناك سوى خمس دقائق حتى إقتحمت المشهدَ شابةٌ تبدو في العشرينات، ترتدي السواد وتضع قبعة قميصها الواسعة على رأسها حتى لا يلاحظها أحدهم جيدا..

الشياطين البريئة: الجنة السوداء -  𝐁.𝐇حيث تعيش القصص. اكتشف الآن