صلوا على سيدنا محمد ﷺ
'
كانت جالسة تسهر على إكمال تلك الرواية التي تعد فرصتها الأخيرة في مواصلة عملها في تلك الدار، توقفت عن الكتابة عندما شمت رائحة شيء ما يحترق، إلتقطت طرحتها ولفّتها حول رأسها بإحكام ثم نهضت من مكانها منقبضة الصدر لتتفقد البيت، كانت الرائحة تشتد وتقوى كلما اقتربت من الباب، وما إن أدارت المقبس وفتحته حتى ألجمتها الصدمة .. تجمدت الدّماء في عروقها عندما حاوطها الدخان من كل جانب وفي تلك اللحظة بالذات شعرت بإنكماش في معدتها وجحظت عينيها على وسعهما وهي تلوح بيديها هنا وهناك بحثًا عن ذرات الاوكسجين عندما ازداد تدفق الأدرينالين و بدأ نفسها يتباطئ من شدة الخوف، تقدمت إلى الردهة وتسمرت في مكانها حينما لمحت ألسنة اللهب العالية عبر الواجهة الزجاجية وهي تلتهم البيت وتستحوذ عليه من كل جانب، كان منظرا مرعبا ومريبا لا يأتي حتى في الكوابيس، كأن أحدهم ألقى بها في جهنم .. حاولتْ بكل ما أوتيتْ من منطق أن تكبح موجات الذعر التي بدأت تتدفق في جسدها، وأن تفكر في طريقة للنجاة والفرار قبل أن ينتهي بها الأمر جثة متفحمة.. وبينما النار تحاوطها من كل جانب لم تجد حلّا سوى الصراخ، أخذت تصرخ وتستغيث بأعلى صوت: الحقووووني الحقووووني .. مفيش حد هناااا
ظلت تستغيث حتى انتابتها موجة سعال حاد جعلها تتقيأ.
كان يوسف واقفًا رفقة أدهم على بعد أمتار قليلة وشرارات اللهب تنعكس على عينيه وهي تتصاعد بشراهة، ظلّ يُشاهد البيت وهو يحترق وإبتسامة تشفّي تعتلي قسماته، ولولهة تلاشت تلك الابتسامة وقطب حاجبه بقلق وهو يحاول التأكد من تلك الضوضاء التي دقت مسامعه، ضوضاء تعود لصوت يستغيث بالداخل .. ضيق حدقتيه بانتباه وسأل صديقه بصوت مضطرب: أدهم انت.. انت سامع الصوت ده؟
أدهم بعدم انتباه: صوت ايه ده؟
يوسف: كأن فيه حد جوه بيصوت؟
ثم إلتفت إليه بخوف وهزّه من ذراعه قائلا بتهكم: انت متأكد ان البيت فارغ ومفيش حد جوه؟
ابتلع أدهم ريقه وأومأ له قائلا: انا متأكد يا يوسف علشان محدش بيجي هنا أصلا من غير منير في ذكرى وفاة والده و...
توقف عن الحديث عندما ارتفع صوت الصراخ واتضح ذلك فالتفتوا جميعا نحو البيت يحدقون به بعيون شاخصة.. تجمّد يوسف مكانه وكأنه تعرّض لصعقة كهربائية وشعر بقلبه يهوي إلى قدميه .. للحظة اعتراه العجز ولم يعي ما سيفعل في ذلك الوضع وإن لم يتدخل الآن فحتما سيصبح قاتلا وسيظل ذلك الصوت يطارده طوال حياته... اقترب من البيت الملتهم بالنار لعله يرى ذلك الشخص، فصاح به أدهم: هتعمل ايه يا مجنون تعالى هنا
تجاهل حديثه وهو يبحث بعينيه عبر تلك الواجهة الزجاجية، كانت الرؤية محجوبة على بعد عشر أمتار، وما هي الا بضح لحظات حتى تمكن من رؤية طيف لشخص مستلقى على الأرض عبر الزجاج، اتسعت عيناه ودبّ الرعب في أوصاله وابتلع ريقه بصعوبة ثم أخذ يلتفت حوله كالمختل وكأنه يبحث عن شيء ما حتى توقف بصره عند حوض مياه قابعا بجوار حوض آخر لبعض النباتات المزروعة هناك، و بلمح البصر أسرع نحوه وغطس فيه وسرعان ما خرج والمياه تتقاطر منه، وأمام دهشة الجميع نزع معطفه المبتل ولفّه حول نفسه.. أخذ نفسا عميقا و دون تردد اقتحم البيت أمام صراخ أصدقاءه عليه لكي يتراجع.. كان الباب موصدًا بإحكام فلم يأبى المحاولة معه أكثر فأمسك بذلك الكرسي الخشبي الذي وقعت عليه عينيه وألقاه بقوة على الجدار الزجاجي ليتهشم ويتناثر زجاجه على الأرض
أنت تقرأ
لهيب إنتقامه (مـكتـملة)
Romanceكان كل همّه أن ينتقم .. أن يُؤلِمَ كما تألَّم .. لم يكن يعلم أنها في الداخل .. لم يكن يعلم أن ذلك البيت الذي يَودُّ حرقه آنذاك كان يأوي الفتاة التي ستحتل قلبهُ وحياته ما الذي دفعه لحرق ذلك المنزل؟ وماذا كانت تفعل هي هناك؟ لنرى كيف سيجمع القدر بين...