الفصل الثالث وثلاثون

507 12 0
                                    

.

صلوا على نبيّنا الحبيب ﷺ

.
شعر بالأرض تميدُ من تحت قدميه من هول ما سمع وظلّت عيناه شاخصتان تحدّقان في الفراغ وكلامها يتكرّر على مسامعه كلمة وراء كلمة، وكانت كل كلمة بمثابة خنجر سام يخترق قلبه ويمزق نياطه، لا يستوعب كيف حدث كل ذلك، لقد كان يظن أن كل ما اعتقده وكل ما رآه بعينيه آنذاك دليلا قاطعا على خيانتها له، لم يكن في حسبانه أن يحدث عكس ذلك وأنّ سمر قد ذهبت لبيت عمتها في ذلك اليوم لكي تفضح أمره وتضع له حدًا وتشتكيه لوالدته .. يا له من غبي! وله من ظالم! حتى أنه لم يمنحها الفرصة لتتحدث وتدافع عن نفسها .. كيف سيسامح نفسه على ذلك؟ وكيف سينظر في وجهها و يطلب منها أن تسامحه؟ لقد تمادى في معاقبتها وفي جلدها بتجاهله المستمر وبمعاملته الجافّة والقاسية التي ما ينفك يعاملها بها، تلك ثلاث أشهر كاملة وهو يُعذبها ويُكسر قلبها ويعذب نفسه أيضا

اسودّت الدنيا في عينيه فجأة وشعر بها تميل به فاستند على الجدار كي يعيد توازنه ووعيه، وأخذ ذهنه يستحضر كل ما حدث بينه وبينها خلال تلك الأيام والشهور، كيف هجرها في بادئ الأمر ثم أصبح يتجاهلها باستمرار، يكسر بخاطرها كل يوم ويجعلها تذرف الدمع دوما .. شعر بالمكان يضيق عليه و بحرارة تلسع جسده .. مال برأسه على الباب ينظر إلى الداخل، فرآها وهي منهارة بالبكاء في أحضان رنيم التي كانت تحتضنها وتُهدّأ من روعها، كان وجهها شاحبا ومنطفئا، واستطاع أن يلاحظ فقدان وزنها من حجم وجنتيها التي غارت قليلا. تجمعت الدموع في عينيه وأخذت تنهمر كالشلال دون توقف حتى شعر بالإختناق بسبب غصّة البكاء ... بعدما تمكن من رؤيتها وخفّ شوقه لها ولو بقليل ارتد على عقباه وغادر المنزل بخطوات بطيئة والندم يلتهم روحه وجوارحه، وأخذ الشعور بالذنب يثقل كاهله بعدما عرف الحقيقة

وصل إلى الخارج أخيرا، بدا له الطريق بعيدا، وعند خروجه من الباب استنشق الهواء بقوة وكأنه يصارع شيء جاثما على صدره، وفي ظرف ثانيتين أخذ نفسه يتسارع وهو يتذكر كلامها مجددا، وهذه المرة أحس بشعور آخر غير الشعور بالذنب .. حيث شعر بالسعادة تملأ رئتيه مع ذلك الهواء المنعش الذي يستنشقه، لقد كان مخطئًا ولم تخنه ولم تفكر بغيره أصلا، تذكر جملتها الأخيرة عندما أخبرت رنيم بأنها لا تزال تُحبه فرفع يداه وأخذ يلطم وجهه ويردد ببكاء: لسه بتحبيني! بعد اللي عملته فيكي! يا ويلك من عذاب ربنا يا سالم يا ويلك

بعد أن هدأ قليلا عزم على الإسراع في مصالحتها وإرضاءها لكي تعود إليه، ويعوض تلك الثواني و الدقائق والساعات والأيام التي مرت عليهما وهما بعيدين عن بعضهما البعض.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

كان أدهم يجوب الغرفة ذهابا وإيابا منتظرا هدير التي دخلت إلى الحمام فجأة، حيث كانت في هذين اليومين في حال سيئة جدا، تنام كثيرا وتستيقظ متعبة، وصار وجهها شاحبًا دومًا وجسمها هزيل ولا تقو على القيام بأي شيء، كان يلّح عليها لكي يأخذها إلى الطبيب لكنها تقابل لحّه ذلك بإصرارها على الرفض .. استشاط غضبها من عنادها المستمر وأقسم هذه المرة على اصطحابها إلى الطبيب عنوةً .. بعد لحظات خرجت من الحمام ووجهها لا يزال يكتسي باللون الأصفر، كان يرتعش من شدة ذعره وهلعه عليها، رافقها إلى السرير ببطء وبعدما أجلسها عليه سألها بلهفة وهو يمسح على شعرها بحنان: يا حبيبتي انتي كويسة؟

لهيب إنتقامه (مـكتـملة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن