طالعته "رحيل" مطولاً، كانت تطالعه بقلة حيلة وضيق ولكن عشقها إليه قد عرف طريقه من تلك النظرات، كانت تشفق على نظرة القلق والاضطراب المتواجدة بعينيه، فما كان منها سوى الجلوس بجوارة وامسكت يده بحنوٍ قائلة:
- أنت ليه بتعمل في نفسك كده، ليه مش عايز تعيش في سلام
صمت الآخر للحظات ثم طالعها قائلاً:
- عشان طول ما إحنا في الدنيا دي مفيش سلام، الدنيا اوحش بكتير عن العالم الوردي اللي موجود في دماغك، إنتِ قولتيها قبل كده أنا وإنتِ عاملين زي الابيض والأسود مش شبه بعض، إنتِ الحلم وأنا الواقع، إنتِ السعادة وأنا الحزن، إنتِ مش بتشوفي غير النقطة البيضة الصغيرة اللي في الصورة لكن أنا بشوف السواد اللي حواليها بس
ردت "رحيل" برفق:- عارفه، أنا أكتر واحده فاهمه يعني إيه قسوة الدنيا يا عاصي، بس عارف إيه اللي كان بينقذني كل مره، ضحكتي وتفائلي ده، موت أهلي قدامي كان كفيل إنه يدمر حياتي بس أنا معنديش اختيار الهزيمة كان لازم أقف على رجلي عشانهم حتى، لو فضلت تفكر بالطريقة دي هتتعب أكتر ما الدنيا هتتعبك
ثم صمتت للحظات وقالت بعدها وهي تربَّت على كتفه برفقٍ:- بلاش تبقى أنت والدنيا على نفسك
رد عليها الآخر:
- مش عارف، صدقيني مش عارف
صمتت للحظات ثم قالت:
- طب إيه رأيك نسافر يومين كده نغير جوطالعها "عاصي" بذهول قائلًا:
- رحيل إنتِ على وش ولاده عدي اليومين دول على خير بالله عليكِفقالت بإلحاح:
- بالله عليك، خلينا نسافر أنا مخنوقة أوي تعالى نعمل عُمره مره تانيه ونزور الكعبه هتفرق معانا أوي
فقال الآخر بإصرار:- تقومي بالسلامة وهاخدك إنتِ وحياة ونعمل عُمره أو نحج
طالعته "رحيل" بعينين مُتفاجئتين، لأنهم لم يقرروا بعد اسم الطفلة القادمة إلى دنياهم، ولكنها تفاجئت حين أسماها "حياة" لأنه اسم والدتها، فقالت بسعادة تقفز من عيونها:
- بجد! هنسميها حياةأبتسم "عاصي" قائلاً:
- بصراحه حابب آه لسببين، السبب الأول إنه اسم مامتك وعارف إنك بتحبيه والسبب التاني أناني شوية، عايز يكون أسمها حياة عاصي القاضي، لأنها هتكون حياتي فعلاً ومش هيبقي عندي أغلى منك ومنها، وأولادنا اللي هيجوا بعدها يعني
وقبل أن ترد عليه الأخرى توقفت لحظة! ثم نظرت إليه واتسعت عيونها بذهول:
- هو إحنا مش كُنا بنتخانق؟!!
تغيرت ملامح وجهه إلى الجمود حين قالت تلك الجملة ونهض من مكانه مُتذكرًا، ثم قال وقد حاول أن يُظهر بعض الغضب:
- الموضوع اتقفل أصلا، ياريت بعد كده متتصرفيش من دماغك و..
فقاطعته هي بتأفف:
- بقولك إيه أنا جعانه
وفي اللحظة التالية قاطعهم صوت جرس الباب الذي أعلن عن وصول شخصاً ما أمام بابهم!! فصمتوا الإثنان بتساؤل وقلق لأن صوت طرقات هذا الشخص كان صاخب ومزعج للغاية، وخصوصاً أن الوقت قد تأخر قليلاً على أن يأتي إليهم أحد..
وعندما اقترب "عاصي" من الباب سمع صوتها الباكي المميز فانتقض بقلقٍ..
أنت تقرأ
رحيل العاصي
Romanceقلبي يكسوه الغضب والعصيان إتجاه كل شيء، لتلك الضحكات العالية التي تصدر منكِ، وتلك الحركات العفوية التي تفعلينها فتخربي كل شيء، ولتلك النظرة اللامعة التي تظهر بعينيكي كلما نظرت اليكِ، ولكنكِ تمكنتي من نزع هذا العاصي الذي يسكن بداخلي لتحققي ما لم استط...