كانت ابتسامتكِ هي مُنقذي
في كل الأزمات، كان بهما شيئاً يبعث بي الأمان، كانت عينيكِ تربّت على قلبي بنظراتها الدافئة، لا أعرف ماذا فعلت حتى أخسر سكوني و أماني..
بعد أسابيع..
كانت تقف أمام مرآتها تنظر إلى الجرح العميق الذي يوجد بجوار بطنها، وتحركت يدها النحيلة إلى هذا الجرح لتتحسسه برفق، وفي تلك الأثناء دخل "عاصي" إلى الغرفة ليرى هذا المشهد، كان يحمل صينية الطعام بيده برغم إدراكه أنها سوف ترفضه ولكنه كان يأمل في تقبلها لبعض اللقيمات، نظرت إليه بعينين شاحبتين قائلة:
- عايزه بنتي..
تنهد بحرارة ثم ترك صينية الطعام على الطاولة وذهب إليها، أمسك يدها برفق ثم قال بعينين قد تكونت بهم الدموع:
- رحيل بالله عليكِ ساعديني، الفترة دي صعبة عليا وعليكِ، أنا راضي بقضاء ربنا ولازم إنتِ كمان ترضي، ابننا في الجنة دلوقتي ..
طالعته بنفس نظراتها الهادئة وقالت:
- مش مصدقة، بنتي لسه عايشه أنا سمعت صوتها قلبي حاسس بيها، طول ما أنا مشوفتش الطفل مش هصدق
وقتذاك صاح بها "عاصي":
- بس أنا مصدق لأني شيلته وهو ميت في أيدي!! أنا اللي دفنته وحطيته تحت التراب بأيدي، أنا عيشت واقع مكنتش أتخيل إني ممكن اشوفه في أسوء كوابيسي
ترقرقت الدموع بعيون "رحيل" المنتفخة وقالت:
- مش عايزه أصدق، بنتي لسه عايشه يا عاصي بالله عليك صدقني أنا سمعت صوتها والله مكنش بتهيألي
ثم بكت بنحيب فما كان من الآخر سوى احتضانها، وبكى الاثنين في أحضان بعضهما بقلة حيلة..
***
وبسبب الأحداث الأخيرة انتقلت "داليا" مؤقتاً إلى بيت والدها حتى تعتني بهم بسبب حالتهم التي قد تدهورت بسبب ما أصاب "رحيل"، وأثناء ما كانت تُطعم "بدر" بيدها أتصل بها "فارس" قائلاً:
- إيه الأخبار كله تمام؟
ردت عليه:
- لحد دلوقتي كله بخير الحمدلله
ثم صمتت للحظات وقالت:
- فارس أنا أسفه أوي، أنا عارفه إني مقصرة معاك ومع بيتنا اليومين دول بس أنت شايف الوضع غصب عني
تنهد "فارس" قائلاً:
- يا بنتي أسفه إيه بس ما أنا شايف فعلاً، ربنا يصلح الحال ويقوم رحيل بالسلامة بس
ابتسمت هي بطمأنينة وقالت:
- أنت فين كده؟
قال:
- شوية وهخلص شغل ومروح مش رايح مش حته
فزادت ابتسامة "داليا" قائلة:
- توصل بالسلامة، أبقى طمني عليك لما توصل
ثم أنهت معه المكالمة ولكنها وبمجرد أن انزلت الهاتف عن أذنها خطر ببالها شيئاً ما، فأنهت كل مهامها في المنزل و استعدت للعودة إلى بيتها تلك الليلة وتحضّر شيئاً مميزاً لزوجها بسبب غيابها عنه الفترة الماضية، وبالفعل ذهبت إلى بيتها لتتفاجئ به في حالة يرثى لها فبدأت في تنظيمه سريعاً وطبخت بعض الأكلات السريعة الذي يفضلها "فارس" وجلست في انتظاره..
انتظرته لساعه، ثم ساعتان حتى تملكها الإرهاق فنامت مكانها بتعبٍ، وبعد ساعات وعندما حلَّ الصباح قلقت في نومتها فانتقضت مكانها لتجد الطعام على وضعه وكل شيء كما تركته يدها، وقتذاك تسرب القلق إلى أوصالها ونهضت من مكانها لتبحث عن "فارس" في المنزل برغم تأكدها أنه لم يعود حتى الآن، فأمسكت هاتفها واتصلت به، وبعد فتره طويلة رد عليها قائلاً:
- معلش يا حبيبتي نسيت أتصل بيكِ أمبارح لما روحت البيت كنت تعبان نمت علطول
تجمدت "داليا" في مكانها واتسعت حدقتيها بتركيز قائلة:
- مش فاهمه، يعني أنت فين دلوقتي؟
تردد "فارس" للحظات ثم قال:
- في البيت هكون فين يعني؟!
صمتت للحظات ولم تقدر على الرد، هل يكذب عليها الآن؟ وما سبب كذبه هذا وهو لا يُخبئ عنها أي شيء، وعندما طال صمتها قال:
- سكتي ليه؟ حصل حاجه ولا إيه اجيلك؟
قالت بصوتٍ مبحوح:
- لا أنا تمام، قلقت عليك بس
ثم أنهت المكالمة بسرعه، جلس "فارس" بتوتر حتى سمع صوت الجالسة بجواره بملابس المنزل وهي تقول:
- أنت لسه مقولتلهاش؟؟
طالعها مُتهكمًا وقال:
- إنتِ شايفه دي ظروف كويسة عشان أقولها يعني، الأمور تهدى شوية وهقولها كل حاجه
وقتذاك ربتت على كتفه قائلة:
- أنا مش عايزاك تحس إنك بتعمل حاجه غلط، أنت متستاهلش كده
فطالعها متهكمًا وهو يقول:
- والله؟! كنتِ تفكري في كده قبل ما تهربي من البيت علشان كلب ولا يسوى و ادي اللي كنت بحذرك منه حصل أهو وطلع بني آدم حيوان، وريني هترجعيلهم بأي عين دلوقتي
فقالت "آية" بضيقٍ:
- وأنا هعرف منين يعني إن كل ده هيحصل، بس اللي أعرفه دلوقتي إن أكبر غلطة عملتها إني مشيت بدماغي وتجاهلت كلامك أنت وماما وبابا وضياء، بس أنا غصب عني أنا حبيت بس، مكنتش أعرف إن كل ده هيحصل، وأنا يعني ليا مين غيرك، أنت مش بس أخويا الكبير يا فارس أنت الوحيد اللي لما بقع في أي مشكلة بجري عليه، حقك عليا لو جرحتك بس الحب عمى عيني
فقال وهو يشعر بالاختناق:
- خلاص اقفلي الموضوع ده، الوضع يهدي وهكلم ماما تمهدلك الدنيا مع بابا، يارب هي نفسها تسامحك بس
ونهض من مكانه فقالت هي مُسرعه:
- طيب خليك أفطر الأول
فقال هو الآخر:
- مش عايز آكُل يا آية شكراً
ثم خرج من هذا البيت بتوجس لا يعرف ماذا يفعل وكيف يفكر..
***
تركها "عاصي" بسريرها نائمة ثم خرج من الغرفة بخفة، التقط هاتفه واتصل بـ "عز الدين" الذي رد عليه فورًا فقال "عاصي":
- مين السبب..
صمت "عز" لا يعرف كيف يرد عليه حتى قال:
- راجعت الكاميرات وظهرت بنت فعلاً فيها المواصفات اللي رحيل قالت عليها بس ..
ثم صمت للحظات وأكمل:
- بس وشهها متشوه مقدرتش أحدد ليها هوية
وقبل أن ينطق بكلماتٍ قد يندم عليها لاحقاً، أنهى المكالمة بوجه الآخر، أنزل "عز الدين" الهاتف عن أذنه ثم نظر للنائمة أمامه وحولها الكثير من الأجهزة الطبية، تقدم نحوها ونظر إلى وجهها المهشم من الجروح حتى فقد ملامحه وقال:
- لازم تفوقي.. لازم أعرف اللي حصل لازم أعرف إنتِ مين!
ثم خرج من الغرفة، وبمجرد خروجهم انتفض جسد الفتاة وكأنها تغرق في كابوس مزعج، فاستمرت تلك الانتفاضات لفترة حتى هدئت مكانها مجددًا، وعندما خرج الآخر من الغرفة أوصى أحد رجاله أن يظل أمام الغرفة ولا يتحرك بتاتاً، ونفذ أوامره بالفعل ولكن بعد ساعات أسره النعاس فلم يشعر بنفسه إلا وهو نائم على المقعد الذي يضعه أمام الغرفة، وبعد مدة طويلة قلق مكانه ففتح عينيه بسرعه وأعاد نظرة إلى الغرفة ليجد بابها مفتوحًا، فانتفض باتجاهها مُسرعًا ولكنه عندما دلف إليها وجد الفتاة قد اختفت! بحث عنها في كل مكان ولكن لم يجد أي أثر لها، لذلك أتصل بـ "عز الدين" وأخبره بما حدث، وما كان من الآخر سوى الإنفجار بعصبية بوجه هذا العسكري، ولكن السؤال كيف ذهبت من هنا؟ وما هويتها ؟ وتلك الاجابات الناقصة كانت السبب في استشاطة عز..
***
فتحت عيونها بإرهاق ثم نهضت من مكانها رويداً رويداً، وقفت أمام مرآتها مرةً أخرى وتغيرت نظراتها من الحزن والانكسار إلى الانتقام، ثم احتضنت بطنها بذراعيها وبكت بصمتٍ، قالت:
- لو إنتِ عايشه هلاقيكي، ولو سبقتيني على الجنة هجيب حقك، والله على قلبي اللي بينزف ده ما هسيب حقك حتى لو الدنيا كلها وقفت في وشي هقف في وش الدنيا علشانك..
ومسحت دموعها بيدٍ مرتجفة، وخرجت من الغرفة تبحث عن "عاصي" حتى وجدته يقف في شرفة المنزل وينظر أمامه بعدم تركيز، ووقفت بجواره بصمتٍ، حتى قالت:
- عايزه أروح قبر بنتي
نظر إليها للحظات ثم قال:
- أكيد كنت هوديكي في يوم بس أكيد مش دلوقتي
فقالت:
- ليه؟ أنا بقولك عايزه أروح قبر بنتي ولو أنت مودتنيش هسأل وأروح لوحدي يا عاصي
أنت تقرأ
رحيل العاصي
Romanceقلبي يكسوه الغضب والعصيان إتجاه كل شيء، لتلك الضحكات العالية التي تصدر منكِ، وتلك الحركات العفوية التي تفعلينها فتخربي كل شيء، ولتلك النظرة اللامعة التي تظهر بعينيكي كلما نظرت اليكِ، ولكنكِ تمكنتي من نزع هذا العاصي الذي يسكن بداخلي لتحققي ما لم استط...