5

8K 665 144
                                    

خطوات متراصة يحرص صاحبها أن تكون ثابتة تطرق وحيدة في ذاك الممر ... لتبدو  نقرات قدميه كنبضات قلب هادئ سليم ... واحدة تتلوها الأُخرى ،و التناسق ذاته كان يعتلي السقف و أنواره الخافتة المتناظرة من حيث المسافة ... ذاك الظلام و الأضواء الموزعة توحي بانفتاح المكان و كأن سقفه هو سعة السماء و أضواءه نجوم متعاقبة ... لكن الحقيقة أنه كان مغلقاً . الهدوء سائداً في ذلك الجزء من القصر ... بحيث ما من صوت يخترق السمع سوى الخطوات المتضاربة ... النسائم تتلاعب في المكان بعد استقبال لطيف من النوافذ لها .. و هي تعبق بشذى الأزهار البرية .

شدت انتباهه لينقل بصره لما هو بالخارج ... شاهد الأطفال لا يزالون يلعبون حول نافورة مياه ضخمة
..ضحكاتهم كسمفونية جميلة امتزجت بصوت حفيف الأشجار ..ورقرقة المياه
وهناك مجموعات من الخفافيش تحلق في السماء ... كل شيء كان لوحة متكاملة من الغموض

فتوقف للحظات و هو يشعر بالاستغراب ..هذا المكان غريب .. متناقض .. أخذت الشكوك تساوره ...
و هو يتأمل محيطه باهتمام ..
دون أن ينتبه لسام الذي وقف على بعد مسافه منه يراقبه بصمت

انسابت رياح قويه لتصفعه بلفحاتها  مبعثرة خصلات شعره بشكل عابث كأنها والدة تتعمد ايقاظ صغيرها لأعادته لرشده .
أغمض عينيه بارهاق
وتحرك ليستأنف طريقه ..متخطي بخطواته سام ..
وكأنه لا يراه
فضحك الأخير بمرح قائلاً

( لابأس عزيزي ....أنت سوف تقضي حياتك هنا ...ومع الوقت سوف تعتاد المكان .ويصبح كل شيء مألوف لديك )

توقف كارل عن التقدم ..وكان الأمر قد نزل عليه كما الصاعقة
التفت نحو سام مصدوماً فهو قد
نسي الأمر ..نسي أنه سيقضي حياته هنا دون ان يملك حريه في شان نفسه 

تلاشت ابتسامة سام حين رآه هكذا ...وبدا الفتور على وجهه لاحظ أنه ذكره بالحقيقة

ضم كارل قبضته محاولاً كبت ألمه كانت مشاعره متضاربة .

فهو لا يعلم هل أخطأ ..أم اتخذ القرار الصحيح .. و لربما لن يعلم أبداً ... ففي أوقات كهذه ليس و كأن أحداً قد يعلم ما هو الصواب و ما هو الخاطئ ... هما اتجاهان غامضان ... كأنك تختار أحدهما مغمض العينين و تكشف بصرك حين تكون قد قضيت مدة لا بأس بها فيما اخترته .

ظل سام صامت وهو ينظر له بأسى ...فمن الصعب أن تعيش و أنت تجهل كيف سيكون مستقبلك ... ضياع تام وسط مسننات الواقع التي لا ترحم ... و كأن كل نسمة أو كلمة قد تخدش روحك ... تبعثر أوراق مشاعرك ... و تنبض حيرة مع كل انقباض و انبساط لقلبك بتناظر مع ضخ الدماء .

خفض رأسه متجنب التقاء عينيه بعيني كارل خوفاً من أن يكشف الأخير تعاطفه معه ..
وتكلم بصوت حرص أن يكون حازم
(هيا ..كي نتابع طريقنا )
وتحرك ليسبقه ....

فلحق كارل به .. وهو غارق بأفكاره.
متسائلاً
كيف سوف يعيش هنا ...
كيف سيكون مستقبله ...هل سيرى عائلته من جديد ..
هل ترى سيحصل شيء لكي ينقذه ...تنهد بشيء من الخيبة
كان الشيء الوحيد الذي يعطيه بريق من الأمل .هو أن شقيقه الصغير بخير .. لكن ماذا بشأن بريق حياته هو ؟! ... لم يعد متأكداً من شيء ... حيث الصمت يكون أبلغ من أي تراصف للحروف .

الثأر الصامتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن