٤٢..غيرة

2.3K 77 0
                                    

التقت عيون ياغيز بعيونها..تنهد بعمق و أشاح بوجهه بعيدا ثم قال" سأذهب لكي أستحم" و هم بالابتعاد قبل أن يتوقف و يسأل" أين نازلي؟" أجابه أمين" انها في المكتب..لديها بعض التصاميم الجديدة التي تشتغل عليها..كما تعلم..العرض صار قريبا..و هي تبذل كل ما في وسعها لكي تكون الأولى كعادتها" ابتسم و قال" نعم..هي كذلك دائما" ..تحرك مبتعدا تحت نظرات هزان المتفحصة..لم تستطع أن تركز أو أن تنتبه لما يقوله والدها..فاز عليها و رفع يديه بفرح و هو يصيح" لقد هزمتك يا صغيرة..لم يكن يجب عليك أن تتحديني منذ البداية..فالنتيجة محسومة" رفعت هزان حاجبها و قالت" أبي..لا تفعل ذلك..لقد شردت للحظة فقط..هذا كل ما في الأمر..لم تنتهي اللعبة بعد" داعب والدها وجهها و قال" حسنا صغيرتي..لكن قبل ذلك..اصعدي الى غرفتي و أحضري لي الدواء..يجب أن أشربه قبل الأكل" هزت برأسها و ابتعدت عنه و صعدت الدرج نحو الطابق الأعلى..مرت أمام غرفة ياغيز و نازلي..كان الباب مواربا..ترددت للحظات قبل أن تمد رأسها و تلقي نظرة على الداخل..بعيدا عن العقل و التعقل و المنطق..بعيدا عن كل الاعتبارات و الحواجز..كانت تتصرف بطريقة غريبة استغربتها من نفسها..مالذي تريده الآن؟ عم تبحث؟ ..لا تعرف..المهم أنها هنا الآن..رأته يخرج من الحمام..يلف منشفة صغيرة حول وسطه..جسده مثير كالجحيم..هي المرة الأولى التي يثيرها فيها جسم رجل هكذا..تشعر بدفء غريب في جسدها..حرارتها ارتفعت و هي تتأمل صدره..كتفيه..عضلاته..ساقيه..و كل تفاصيله الرجولية الرائعة..تسمع دقات قلبها تدق كالطبول في أذنيها..تنفسها متسارع و عيونها متعلقة به ..أخذ ياغيز ينشف خصلات شعره بالمنشفة الصغيرة ثم رماها على السرير قبل أن ينزع عنه المنشفة التي كانت تغطي وسطه..
وضعت هزان يدها على فمها لكي تمنع شهقة قوية من الانطلاق..انها المرة الأولى التي ترى فيها رجلا عاريا تماما..بكل تفاصيله..كل شيء بدا غريبا و مثيرا في نفس الوقت..لم تستطع ازاحة نظرها عنه..جمدت في مكانها تتأمله..و لعل ما زاد الأمر سوءا بالنسبة اليها هو تلك الرغبة المجنونة التي انتابتها فجأة..بأن تقترب منه..و تمرر يديها على جسده..أن تتحسس عضلاته و أن تشعر بقربه منها..هزت رأسها بعنف لتطرد تلك الأفكار الغريبة التي اندفعت داخل رأسها بسرعة و تحركت مبتعدة..مررت أصابعها خلال خصلات شعرها بعصبية و اختفت داخل غرفة والدها..جلست على حافة السرير و وضعت رأسها بين يديها..ما هذا الذي يحدث لها؟ هل فقدت عقلها؟ هل جنت؟ هل نسيت بأن هذا الذي كانت منذ قليل تتأمله و ترغب في ملامسته ليس سوى زوج أختها؟ هل غاب التفكير المنطقي عنها؟ هل تجاهلت كل ما يمنعها عنه؟ ..تجمعت الدموع في مآقيها و أخذت تحرق عينيها ثم انهمرت غزيرة على خديها..هي الآن في وضع لا تحسد عليه..تشعر بالعجز و قلة الحيلة أمام طوفان المشاعر و الأحاسيس الذي يعصف بها و يفقدها اتزانها..تحبه..نعم..ترغب به..نعم..تريده..نعم..لكنه حلم مستحيل بالنسبة اليها..و يجب أن تفعل كل شيء لكي تطرده من رأسها..علها تنجح في أن تحمي نفسها من الوقوع في الخطيئة..فيما لن تسامح نفسها عليه أبدا..ارتدى ياغيز قميصا أسودا و سروالا رياضيا بلون رمادي..صفف شعره و رش من عطره المفضل ثم خرج..جلس صحبة أمين و نازلي التي انظمت اليهما قبل أن تطلب من الخدم تجهيز العشاء..

مسحت هزان دموعها و أخذت دواء والدها و نزلت إلى الأسفل..تمنت ألا ترى ياغيز..أن يختفي من أمامها في هذه اللحظة..لأنها ستكون عاجزة عن اخراج صورة جسده العاري من رأسها..فور رؤيتها له جالسا مع أبيها و أختها..لعنت نفسها و حاولت جاهدة أن تتصرف بصفة طبيعية..أعطت الدواء لوالدها و جلست بجانبه..فيما جلست نازلي بجانب ياغيز حول المائدة..نظر أمين الى وجه هزان الشاحب و سأل بقلق" هزان..حبيبتي..مابك؟ هل أنت بخير؟" هزت برأسها و ردت دون أن ترفع عيونها عن الطبق الذي وضع أمامها" أنا..أنا بخير..لا تقلق" وضع أمين يده على يد ابنته و ربت عليها ثم أخذ يتناول طعامه..ابتسمت نازلي بخبث و هي ترى اضطراب هزان و شحوب وجهها..كانت متأكدة أن هذه الحال التي هي عليها بسبب ياغيز..و ذلك ما تريده هي تحديدا..و أرادت أن تزيد من سوء الوضع فأخذت تطعم ياغيز بيديها و تلامس وجهه و تقبل خده متعمدة اثارة غيرة هزان..و نجحت في ذلك أيما نجاح..أخذت هزان تحرك شوكتها في الطبق دون أن تأكل شيئا..كانت كلما رفعت عيونها ترى اهتمام أختها بزوجها..و تدليلها له..فتشعر بأنها تختنق..رغما عنها..و عن ضميرها..و عقلها..و منطقها..و رغما عن كل شيء..هو شعور مقيت لا تستطيع التخلص منه..الغيرة القاتلة..تحاول جاهدة أن تمنع دموعها من الانطلاق..أن تمنع صرخة قوية من الخروج من فمها..أن تخرس صوت قلبها الممزق و الذي تقتله الغيرة رويدا رويدا..أشاحت بوجهها بعيدا عنهما..حاولت أن تشغل عقلها بالتفكير في أي أمر آخر..لكن دون جدوى..ضاق بها المكان ..و لم تعد قادرة على التحمل..انتفضت واقفة و هي تقول" سأخرج قليلا..صحة و عافية..عن اذنكم" و اندفعت مسرعة نحو الخارج..تابعها ياغيز بعيون تائهة..لم يعد قادرا على فهم تصرفاتها..يخشى أن يحللها على طريقته ثم يخيب أمله بشدة..

التوأمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن