٦٣..لقد عادت

1.8K 57 0
                                    

انشغلت نازلي طوال الفترة الأولى بالتجهيز للعرض الذي كان كالعادة مميزا و عالميا كما ارادته..و كانت طوال أسابيع حديث الصحف و وسائل التواصل الاجتماعي ..كما حققت أزياءها و تصاميمها مبيعات عالية و أرباحا كبيرة..و دعمها والدها في كل خطوة قامت بها..كان طوال الوقت يحدثها عن شوقه و افتقاده الى هزان..فكانت تتصل به من رقم خاص و تحاول ان تتحدث مثل هزان فتطمأنه عنها و تخبره بأن كل امورها على ما يرام..كان يبكي شوقا لها و يطلب منها أن تأتي في أقرب فرصة ..رافقها والدها مرتين الى الفحص الروتيني عند نفس الطبيب الذي كان يعتني بهزان..و كان في كل مرة يجهز صورة الايكو قبل وصولها و يعدلها بطريقة تظهر بأنها هي الحامل اذا فحصها..و كان والدها يصبح عاطفيا عندما يسمع صوت قلب الجنين و تسيل دموعه فرحا بحفيده القادم..و مع تقدم الأشهر صارت ترتدي بطنا بلاستيكيا يظهر بشكل طبيعي كأنها فعلا حامل..و تغيره كلما اقتضى ذلك..لكل شهر بطن يخصه الى أن صارت حاليا في الشهر السابع..أخبرها الدكتور بأن هزان حامل بصبي..فاتصلت بياغيز لتخبره بذلك..لكنه كعادته لم يبدي اهتماما بالموضوع..كان يتعامل معها ببرود مقيت و بلا مبالاة قاتلة..و كانت تتغاضى عن كل ذلك لأنها تطمئن نفسها بأنه سيعود اليها عاجلا أم آجلا..سيعود اليها و الى ابنهما القادم..الى منزلهما..الى عائلتهما المثالية..عندما ييأس من وجود هزان..لن يجد مكانا آخرا يذهب اليه..لن يجد لنفسه ملاذا سواها..هي تحبه و هي ام ابنه القادم..في حبسها..وضعت هزان يدها على بطنها و اخذت تحدث طفلها و أنيس وحدتها قائلة" ابني..حبيبي..صغيري..أنت الوحيد الموجود معي الآن..أنت كل عائلتي الآن..أنت قطعة من ذلك الرجل الممنوع عني..و الذي أحببته بكل ما اوتيت من قوة..من كل قلبي و اعماقي و جوارحي..أخطأنا نعم..لكننا أحببنا بعضنا كثيرا..و كنت أنت ثمرة هذا الحب..لم يبقى سوى القليل لكي نلتقي..القليل القليل..حبيبي..أشعر بحركتك داخلي..أعلم أنك تسمعني و تفهمني..لا تخف..صحيح اننا محبوسان هنا..بلا سبب..لكن هذا سينتهي قريبا..أنا واثقة من ذلك..اطمئن يا صغيري..أمك تحبك كثيرا..و أبوك كذلك..سنجتمع بك قريبا..اصمد و كن قويا كأمك..تمام..أتعلم..سأسميك يمان..يعني القوي..لأنك ستكون قويا و متماسكا كأمك..و ستأتي الى هذه الدنيا..و تكون سندا لها..أليس كذلك؟ ..روحي انت..حياتي..يمان..ابني يمان..أحبك كثيرا"

في مطار اسطنبول..حطت الطائرة القادمة من مدينة فرانكفورت الألمانية و نزل منها ياغيز يحمل حقيبته و الهم و الكدر يظهر جليا على وجهه..شعره طال أكثر من السابق..لحيته مهملة و جسده صار نحيلا..كان في حالة يرثى لها ..يخفي عيونه التائهة بنظاراته السوداء..جر خلفه حقيبته و اتجه ناحية بوابة الخروج..توقف لحظة..و كأن فكرة لمعت فجأة في ذهنه..عاد الى الداخل..توجه نحو الاستعلامات..وجد سيدة هناك..أعطاها اسم هزان و طلب منها أن تبحث في السجلات ان كانت قد عادت الى اسطنبول خلال او قبل ستة أشهر..طلبت منه السيدة أن ينتظر لبعض الوقت ..كان يذرع الردهة جيئة و ذهابا في انتظار اجابة منها..نادته بعد قليل و قالت" سيدي..الاسم الذي ذكرته لي ..السيدة هزان شامكران عادت الى تركيا منذ أكثر من ستة أشهر ..و لم يسجل اسمها في لائحة المسافرين بعد ذلك أبدا" حملق فيها ياغيز غير مصدق ما سمعه منها..ارتعد جسده بشدة و سألها بنبرة مرتعشة" هل انت متأكدة؟" أجابت" أكيد..هذا ما تظهره سجلات السفر" تمتم" شكرا لك" و تحرك مبتعدا بسرعة..سحب نفسا عميقا بمجرد خروجه الى الخارج..لعن بصوت مسموع..ما معنى كل هذا الذي يحدث معه؟ كيف تعود هزان الى تركيا و لا تذهب الى المنزل..و لا تأتي اليه..و لا الى عائلتها..و تلك الصور..و كوراي..ما معنى هذا؟ ..وضع يده على جبينه بحيرة و بقي جامدا في مكانه للحظات..عقله يعجز عن استيعاب ما يحدث..أيعني هذا ان هزان اتخذت القرار بألا تلتفت وراءها أبدا؟ أيعني هذا بأنها تركته الى الأبد؟ أيعني هذا بأنها تعيش في نفس المدينة لكنها تأبى المجيء اليه أو لقاءه؟ و عائلتها؟ هل تكذب عليهم أيضا؟ هل توهمهم بأنها تعيش في أوروبا و بأنها لن تعود الى تركيا بينما هي هنا؟ ..ليتها تعلم كم بحث عنها و كم تعذب طوال الستة أشهر الماضية..ليتها تعلم كم تبدو الحياة بلا معنى بدونها رغم كل ما رآه..ليتها تعلم كم يحبها و كم يرغب بأن يراها و يتكلم معها..كم يرغب أن يعاتبها و أن ينظر داخل عيونها..لكن يبدو أنها لا ترغب بذلك..يبدو انها مضت قدما في حياتها و خيرت ان تنسحب..ركب سيارة تاكسي و عاد الى المنزل..استقبلته نازلي ببطنها الكبير ..قبلته و قالت" مرحبا ياغيز..لقد اشتقت اليك حبيبي" هز برأسه و سأل" أين عمي أمين؟" أجابت" لديه اجتماع في الشركة" قال" جيد..نازلي..هل لديك خبر بأن هزان هنا في تركيا؟" ابتلعت نازلي ريقها و قالت" حقا؟ متى عادت؟ لماذا لم تخبرني بذلك؟" قال" لقد عادت منذ ما يفوق الستة أشهر..و الغريب أنها لم تتصل بنا و لم تأتي الى المنزل..كيف يحدث هذا؟..

التوأمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن