٤١..بين الجنة و النار

2.2K 68 0
                                    


.جرت هزان نحو المنزل..اختبأت في غرفتها و اتكأت على الباب الذي أغلقته لتوها..صدرها يعلو و ينخفض..عيونها مغلقة..و قلبها يكاد ينفر من بين أضلعها..لعنت نفسها..و لعنت ضعفها..لعنت خيالها الذي صور لها مستحيلا و زينه لها..لعنت حياتها القاسية و التي لم تكتفي بصفعها منذ اليوم الذي خلقت فيه..بل وضعتها الآن قبالة حب مستحيل يوجع قلبها و يمزق روحها..من نافذة غرفتها..تابعت نازلي ما يجري بين ياغيز و هزان..ترى ما تريد أن تراه..ارتباكهما..لغة جسديهما..نظرات عيونهما..هربهما من بعضهما..و الذي سينتهي قريبا..ستفعل كل ما بوسعها لكي ينتهي..لكي يلتقيان..و يحدث ما يجب أن يحدث بينهما..أما الباقي..فسيكون له مخطط ناري و جهنمي تضعه هي بعقلها الشيطاني..ابتسمت بخبث و قالت" أيها المسكينان..اهربا لنرى..الى متى سيدوم هذا الهرب؟ ستلتقيان..أعدكما بذلك..و ستضعفان..و ستفعلان ما أريده أنا..سيتحقق حلمي..و سأكون أما لطفل لا يمكنني انجابه..سيحصل ذلك..أنا متأكدة" و أخذت الهاتف من على الطاولة و اتصلت بشخص ما..في الساحة..امتطى ياغيز الحصان و انطلق يسابق به الريح..يريد أن ينقذ نفسه من هذا الاضطراب الذي يعيشه..يريد أن يتعب جسده لعل عقله يتوقف عن التفكير..يريد أن يهرب من نفسه..من صوت قلبه العالي..من حبه الذي يكبر داخله يوما بعد يوم..من وجه هزان الذي يلاحقه أينما التفت..من ضحكتها..من صوتها..من شفتيها..من تنفسها..من كل شيء فيها يشده نحوها كالمسحور..عبث الهواء بخصلات شعره الذهبي التي كانت ترتفع و تنخفض على وقع حركة جسده على ظهر الحصان..و شردت نظرات عيونه في الفضاء...في المجهول..في الأفق..ليته يستطيع تجاهل كل هذا..ليته يستطيع اخراس قلبه ..ليته ينجح في التصرف معها بطريقة طبيعية..ليته يتوقف عن التفكير فيها و عن تخيلها بالقرب منه..يحاول و يحاول..و عبثا يفعل ذلك..انها قدره الأعمى الذي لا خلاص له منه..

مع حلول الظلام ..عاد ياغيز إلى المنزل ..ترجل عن صهوة جواده و العرق يتصبب من جبينه..أدخل الحصان إلى الاسطبل و اتكأ على احدى العواميد الخشبية..يريد أن يدخل إلى المنزل و لا يريد..يريد أن يراها و لا يريد..يريد أن يكون بجانبها و لا يريد..كأنه يقف في منتصف الأشياء كلها..بين النعم و اللا..بين القرب و البعد..بين الجنة و النار..بين القوة و الضعف..هذه المرة الأولى التي يكون فيها على هذه الحال..مهزوزا من داخله..ضعيفا الى حد كبير..و يجب عليه أن يتظاهر بالقوة..يرغب أن يكون بقرب هزان..لكنه يخشى أن يزعجها فتنفر منه و ترفض أن تتحدث اليه حتى..يريد أن يتكلم معها لكنه يخاف أن تنهار حصون مقاومته فيحتويها بين ذراعيه و يصمت شفاهها بشفاهه..لم يبقى مكان للعقل عنده..قلبه يقوده نحو الهاوية..و آخر جنود ضميره تجعله يلتزم الصمت و يقاوم..مرر أصابعه خلال خصلات شعره المبلل و تأفف بضيق..ثم تحرك نحو البيت..كانت هزان تجلس صحبة والدها..تضحك معه..و تلاعبه..يشربان الشاي الأخضر معا..و يلعبان الورق..للحظة..حسدها..و حقد عليها..لأنها تستطيع أن تتصرف بصفة طبيعية..أن تضحك و أن تلعب..في حين يكتوي هو بنيران حبها..تكذب كل استنتاج يصل اليه بأنها تشعر بشيء تجاهه..كلما نظر داخل عيونها..أو رأى ارتباكها و هو على مقربة منها..و ما ان تعود الى طبيعتها و تصرفاتها اللامبالية حتى يلعن نفسه و يكذب كل ملاحظاته..التفت اليه أمين و قال" أهلا و سهلا ياغيز..لقد تأخرت بني" هز برأسه و أجاب" نعم..لقد استمتعت بامتطاء الحصان و نسيت نفسي" رفعت هزان عيونها نحوه و ندمت على ذلك فورا..كان منظره مثيرا و رائعا..خصلات الشعر المبللة التي تلتصق بجبينه..قطرات العرق المندفعة من عنقه إلى صدره..قميصه الملتصق بجسمه مظهرا عضلاته المفتولة..عيونه التي تلمع كلما نظر اليها..دون وعي منها عضت على شفتها السفلية و هي تشعر بأن قلبها يدق بسرعة كبرى..

التوأمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن