المستقبل المجهول هو ما يدفع الانسان لأتخاذ القرار الصعب في منعطفات الحياة, ولايعلم احد ما يحمل الغد له من تقلبات واحداث, بليلة وضحاها تتغير اقدار وتكتب قصص وتسقط مملكات ويفترق اصحاب ويلتقي اخرون.
وقف اريليوس يحدق في وجه صديقه الوحيد وهو ينتظر منه كلمة, صمت اوميروس ليختار كلماته بعناية, تحدث محاولا رزع وردة صغيرة من الامل في قلب رفيقه: "لقد حان الوقت, سأذهب لأسطر مستقبلٍ من اجل هدفي الاسمى".
علم اريليوس ان كلمات اوميروس لا تعرف الولوج الى فمه لينطقها لأنه موقف اعتاد فيه عند توديع من احبهم ان يكون الوداع الاخير, تبسم مخاطبا صديقه وتحدث: "يجب ان تكون الاشجع فيهم, ولتعد عندما تكن ما اردت الى مكاننا المعتاد, لنتبارز تحت اشعة شمس الصباح, فالتعدني انك ستعود لأني تحديتك".
اوميروس وهو يصافح يد رفيقه بقوة: "وانت تعلم انك لست ندا لي, اعدك بالعودة وقبلت التحدي".
احتضن الصديقان بعضهم بقوة وحرارة, ثم وقف اوميروس ينظر الى صديقه الذي ادار ظهره واتجه الى حصانٍ بلون اسود يقوده فارس من فرسان الجنرال الاوفياء, حمله احد الجنود على ظهر الفرس, امسك بظهر الفارس ولوح بيده مودعا صديقه وعائلة عمه والخدم, فقد حرص اوميروس على توديع الجميع ولم يترك احد منهم.
انطلقت القافلة المكونة من خمسه فرسان لأصطحاب اوميروس الى قلب العاصمة روما, بكت زوجه عمه على فراقه فكان بالنسبة لها الابن الذي لطالما تمنت انجابه ليكون خلفا لوالده ويحمل اسم ابيه, احتضنت ابنتها الواقفة تنظر بحزن الى ابن عمها الذي لم يعتد اللعب معها كثيرا مهدرا معظم اوقاته في التمرن على استخدام السيف.
ابتعدت الخيول وهي تضرب الارض بحوافرها تاركة الغبار خلفها, فتلاشى صوت وقعها على الارض حتى اختفوا بين احضان الغابة وهم يشقون طريقهم نحو مبتغاهم.
عاد الجميع الى اعمالهم, وذهب اريليوس يساعد المعلم في تقليم الحديقة التي ازهرت لحلول الربيع الجميل, واصوات العصافير والطيور تغرد في ارجائها.
دخل الجنرال وعائلته الى المنزل واتجه اولاد المعلم الى اعمالهم والبنات ترافقهم والدتهم الى المطبخ من اجل اعداد غداء اليوم, دخل المعلم واريليوس الى الحديقة وهم يحملون معداتهم من اجل تقليم الازهار وسقايتها.
جلس اريليوس يحفر التربة ويزيحها عن بعض الازهار التي تفتحت في احد جوانب الحديقة, في حين كان المعلم يسقي احد الشجيرات التي بدئت بالاثمار.
وبينما كان اريليوس منغمسا في عمله سمع صوتا يخاطبه لأول مرة: "متى استطيع القطف من هذه الازهار".
نظر اريليوس خلفه فوجد ابنة الجنرال وهي تحادثه, فلم تكن عادتها ان تخاطبه بل اكتفت في كل مرة تراه فيها بأن ترمقه بنظرات عدم الاكتراث وتمضي, فلم يكن هناك امر يسترعي ان تحادثهم لاجله وهي ابنة العائلة النبيلة.
أنت تقرأ
فُرسانْ المَمْلَكةُ الضَائِعَة
Historical Fictionوبين ثنايا الدهر وحتى في احلك الايام, حين يكسو السواد شعر الارض والمدن, وتُغطى السماء بلون الليل الاسود الداكن, ويوشك اسياد الشر على الانتصار. حينها يرتقي ضوء الحق, وتنافس شمعة الامل رياح الشر وتتشبت بقلوب خير البشر, وتزداد شرارة كلما قست الحياة على...