Part 37: العنقاءُ السَيمَرغية

5.6K 309 89
                                    

مهما حرصنا على رسم اقدارنا, واخترنا رفاق دربنا, واجتهدنا في صنع غد اجمل لنا, فعلى حين غرة وبلمح البصر, نجد انفسنا مستيقظين في صباح يوم غير مستعدين له, مع اشراقة لطيف روحا لا نعرفها, لنجد اماكن لا نألفها وذكريات توخينا الحذر الا تتكرر مشاهدها.

فنصطدم بالواقع المؤلم, وتتراشق سهام الغدر تطعن في الظهر, ونوشك على الهوان, فيتخلى عنا الخلان, والاهل وحتى ما احتوتنا من جدران.

نتصفح ملامح وجهنا امام مراَة الزمان, ونلامس تجاعيد برزت في وجوهنا تحمل بين طياتها اوهام واحلام, حطمتها نكبات الايام, فما عدنا كما كنا بالامس, ولا نحن كما خططنا لنكون في حاضرنا هذا, ترى لماذا يفكر المرء في مستقبله وهو مكتوب له ومسطور, منذ اول لحظة ولد فيها, ومهما حاولنا التغيير, لن يكون قويا ذو تاثير عميق, بل سيكون ضمن قرارات ما قدر لنا من حكمة الرب والسماء.

ملئت الافكار المزدحمة عقل اريليوس المستلقي ارضا بجانب موقد الحطب وقد اوشك على الانخماد, وعلى بعد عدة امتار غطت فلوريا في نومها العميق كطفلة بريئة لا تعرف لهذا العالم الا مقاطعتها واحلامها البسيطة, في عربتها ويحرسها بعض الجنود اللذين يحاول النعاس ان يغلبهم ويفرض هدوء وجوده على المكان.

حدق الى السماء, الى نجمة بعيدة تلمع بقوة, وهو يتصفح شريط ذكرياته, بكل الوانه ومشاعره, سعادته واحزانه, ثلوجه الباردة ودمائه الحارة, وكل ما اعتاشه من احاسيس في ما مضى.

خيل اليه صورة والدته في السماء, وهو يحدق بعمق يحاول عزل جسده والسمو بروحه املا في الوصول الى اصفى صورة لها في مخيلته, فقسوة الحياة وتجاعيد الاشجان ملئت حتى الصناديق المغلقة في اعماقه التي حاول جاهدا ان يحمي فيها صورة والدته.

فبات وجه والدته مشوشا عليه يحاول ان يجمع شتات ملامحها ليصنع لوحة لوجهها الذي كلما تذكره شعر بالسعادة, ودبت انهار الامل فيه تسقي عروقه القاحلة المتعطشة للحنان.

غلبه النعاس وهو يصارع فوضى مشاعره محاولا البقاء مستيقظا برفقة وجه امي الذي رسمه اخيرا بدموع عينيه, فغط في نومه دون ادراك وهو يحدق للسماء مغلقا عينيه.

ــــــــــــــــــــــــــ

بعد ان عادت كلاريس الى احضان والدتها واهلها, وهي هاربة من معركة الحب متنازلة عن ميدان قلبه, لتطوي بذلك كل صفحات الماضي بكل احداثه السعيدة والحزينة.

قررت ان تعيش حياة هادئة برفقة عائلتها, وان تكون فتاة بسيطة تعمل كل صباح في الحقول, تساعد النساء والفتيات في الزراعة وتربية الحيوانات, وحينما يحين المساء, يذهبن الى منازل ذويهن ويكملن اعداد وجبات الطعام وما عليهن من واجبات ويغرقن في نوم عميق جراء ما بذلنه من مشقة طوال النهار.

فُرسانْ المَمْلَكةُ الضَائِعَةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن