الخاتمة: اَلخُلودْ

9K 417 213
                                    

الخلود: اعظم كلمة ينالها بني البشر حينما يُنقش الاسم مع العظماء على صفحات التاريخ بين ثنايا اسطر القرون , المدونة بيدي الزمان وبحبر قلم فجر الحضارة.

هي الامنية التي يسعى كل ذي شأن لتحقيقها مهما تعددت الطرق ومهما اختلفت الافعال, متحزبا لراية الخير او الشر وسافكاً دماء الشعوب ام منقذا البشرية بنور العلوم.

عجلة الزمان تدور وتسحق القرون كما تُسحق ذرات التراب, وتتطاير في طيات الزمن السالف وتُنسى, وهي في طريقها تسير نحو النهاية لا محالة.

فكيف لصبي بريئ ان يحطم اعظم الحضارات, وكيف لقلب نقي مليئ بالتسامح, ان يسلب قلباً عشقه حتى الفناء, وكيف لمن صمتت عقداً ان تنطق بكلمة الخلاص وتسلب الروح.

وكيف سمحنا للشر ان يتغلغل في اعماق قلوبنا محاولاً اطفاء شمعة الامل بعد ان كانت شمس ساطعة في سماء ايامنا السعيدة.

لقد علموني اؤلئك العظماء ان المجد ينال مهما طال الدهر, وان الفخر يختار من يستحقه, فهو تاج الخلود, والمجد يختار فرسانه بأحكام مستمداً افعاله من الذات الالهية حينما تقرر وهب التاج الابدي الى من استحقه من بني الجنس الفاني.

لقد كنت في مقتبل العمر حينما وجدت ذلك الصبي يقودونه نحو منزله الجديد نحو احضان حياة رومانية وتحت وصاية الجنرال, وكان حزيناً اشد الحزن, شارداً يفكر في امه المقتوله وابيه المحطم الفؤاد, وهو غير مكترث لاي جحيم يُقاد.

نظرت نحوه من بعيد واكملت طريقي, واستعدت في مخيلتي دموع ذلك الطفل الاخر ابن القائد المغدور, واخبرني حدسي بصدفة غريبة ربما ستحل وتجمع الصبيين تحت سقف واحد.

ايقنت ان الرب يعدهم لامر جلل ومصاب عظيم, اكبر من ان يدركه مئات الرهبان واكبرهم سناً ولو عاش قروناً, قدراً يجري تخطيطه بعناية الهية وحكمة لاتدركها العقول.

ويوم التقيت بتلك الاميرة, التي كانت اجمل نساء الارض, ايقنت ان الرب وضعني على الدرب الذي تختلط فيه اقداري بأقدارهم وطريقي بمنعطفات طرقاتهم, وانني ضالع في تلك الغاية العظيمة.

وكانت الصدمة حينما التقيت بالصبي الذي اصبح يافعاً وشجاعاً, ولم اتصور للحظة ان يصبح محطم الحضارة وقائد الجيوش.

أنني اسطر وانا اتوسل الرب ان يهبني ساعات قليلة لاكمل اخر اوراقي, في معبدي هذا, وفي غرفتي هذه, متيقنٌ ان حاصد الارواح لا يهب جزء من ثانية لاي بشري ولو توسل الرب دهرا متضرعا لذلك.

في هذا اليوم الغائم والاجواء الباردة, يوشك الحطب ان ينضب من مدفأتي والشمعة التي تحاول انارة المجلد شارفت على الوداع, وحتى الحبر اوشك ان يخون قلمي, ارجوكم جميعاً تحملوني لدقائق اخيرة, سأودعكم جميعا ايها الاوفياء.

ايها القارئون لهذا المجلد, ربما ستظنون للوهلة الاولى ان ما تقرؤوه ما هي الا تخاريف راهب عجوز, يختلق قصص في ساعات وحدته الطويلة, انتم احرار فأن شأتم صدقوا والا فأقرؤا وخذوا العبر ولاتعيروا كهولتي ذكراً يؤثر.

فُرسانْ المَمْلَكةُ الضَائِعَةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن