أرتقاءُ الجنونْ

4.9K 290 74
                                    

ما القرون والسنوات المريرة امام وجه الزمان, الا ذرة ضائعة بين طيات الاكوان.

نعيش حياتنا سنوات الالام واعوام عشق وهيام, هي كهمسة مرت في لحظة امام مرأى عرش الزمان, وما بين الازلية والابدية تبقى هنالك لحظات سرمدية.

تُحفر كنقش عميق في ملامح الكون العظيم, وتنتظر ان تروى وتولد من جديد في قلوب وذكريات كل زمن مجيد.

فهي بقوتها شعاع كسطوع النجم الهائم البعيد, ذلك الذي يصل نوره من مكان لا يعلم له اثر ولا تطاله يد البشر.

شحذ فأسه تحت ضوء القمر, جالسا على صخرة وسط اشجار غابة ميتة, وموقداً شعلة نار هادئة تلفح الهواء البارد محاولة الصمود.

استمر يشحذ الفأس وانعكاس القمر يلمع على سطحه, وتتطاير الشرارات في كل مرة تسير فيها الحجرة الشاحذة, لم يتوقف لساعة كاملة, كأنه يشحذه لاجل ان يقتل رجالا من فولاذ وليسوا من لحم وعظام.

سمع صوت همس بين الاحراش, اشاح بأنظاره فلم يجد شيئا.

احس بشيء يقترب خلفه, لم ينهض ولم يشعر بالخوف لكنه استدار ليرى ما الجلبة التي حصلت.

وجد ظلال بين الاحراش, ونفحات من هواء حارة لامست وجهه, ثم سمع صوت يهمس قائلا "الا تخاف ايها الفاني".

عاد ليشحذ فأسه واكمل مجيبا "لقد انتزعت هذه الكلمة من تاريخ مذكراتي".

اجابه الظل "لا يوجد فانيٍ على وجه الارض الا ويهاب المجهول".

توقف عن الشحذ وصمت قليلا, بعدها نظر الى الظل يتحرك في الارجاء بين خبايا الاحراش والظلام وهو يتجه حوله ليصبح امامه وضوء القمر يعكس ظله الذي بدا كانه ليس ظل بشري, بل اضخم واطول وله قرنين.

احكم قبضته على فأسه ثم تسائل "من انت ؟".

اجاب الظل بصوته الذي يبدو انه منبعث من اعماق الارض مسموعا في كل الارجاء, برهبة يقول "انا لوسفير, جئت لارى من يلقبونه بالمختار, الذي سيحمل درعي في يوم الصراع".

"ان كنت حقا كما تدعي, اظهر نفسك, دعني ارى سيد عالم الشهوات وخبث بني الانسان".

اجابه لوسفير "لم أت لاجل ان تراني, جئت لاخبرك انك قد اختارك القدر منذ يوم ولدت, وقد اخبرت عجوز منحازة لجانب النور والدتك ان تقتلك يوم ولادتك, فأنت مهلك الحضارة, لكنها احتفظت بك, ويوم الهجوم على القرية, حاولت السماء والاقدار ان تسلبك روحك, لكن والدتك عقدت الصفقة".

نهض المختار وتسأل بغضب "عن اي صفقة تتحدث".

لوسفير مجيبا "ان تهب والدتك حياتها مقابل حياتك, وان يهب والدك في اليوم المنشود حياته لاجل حياتك, ان الموت يبحث عنك كل ليلة, لكنه حينما يوشك ان يطالك, توهب القرابين بدماء اغلى محبيك لاجل ان تعيش, واخيرا كانت فلوريا هي الثمن".

فُرسانْ المَمْلَكةُ الضَائِعَةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن