لم تخن تلك الذئبة الجائعة للحب العهد الذي قطعته منذ امد طويل, ففي كل صباح تعانق الغسق حتى يبدأ الناس بالتوجه لاعمالهم, وبعد ان تصاب بخيبة عدهم رجوعه اليوم تتجه لعملها.
لم يتغير شي في روتين ايامها المقيت, سوى ان الجوع للحب اتمزج بجوع للانتقام, فمنذ ان اخبرها ذلك المجهول ان أوان الانتقام قد حان, وان الذي يحمل دماء القاتل هو من عشقته بصمتها المبلد بالاحزان.
كانت وولفينا تعمل في محل لبيع السلات برفقة تيرينا التي احترفت الصنعة وفتحت محلا خاص لها وجعلت وولفينا وبعض الفتيات الاخريات يقمن بمساعدتها.
كانت اعمالهن تسير على خير ما يكون, ويأتيهم دخل كافي ليسد حوائج جميع الفتيات, دون الحاجة لاي معين.
ووجد ايرلندر عملا عند احد الحدادين, واصبح من امهر رجاله, فوهبه رئيس المكان ورشة كاملة خاصة به, من اجل صناعة السيوف وصقلها, وموخرا تعلم كيفية صناعة الخوذ العسكرية والدروع, كان شابا يعطي كل اهتمامه لعمله, وعرف في جميع ارجاء السوق على انه من امهر صناع السيوف الرومانية, مما جعل اغلب الحدادين يستاؤن منهم.
لم يكن احد يحاول ان يسبب له شجار مع ايرلندر, فقد حاولوا مسبقا وكانت النتيجة انه تشاجر مع ثلاثة رجال, وحينما انتهى القتال تركهم وكل واحد فيهم لديه عظام محطمة, مثبتاً مكانته في السوق بكل شجاعة وجدارة.
كان هذا الصباح مختلفا, ليس كمثله صباح, فحينما كانت وولفينا تتجه الى الحقول الواسعة, وجدت ذلك الرجل المجهول يهمس خلفها وهو يسير بالقرب منها.
كان يرتدي زيا اسود وقد حرص على تغطية رأسه وكل جسده.
تحدث قائلا "لقد اصبحت قوية, خلال هذه المدة القصيرة".
نظرت اليه وهي ترمقه بنظرات غضب تخبره ان يدعها, لكن اضاف معلقا "هل ظننت ان ذلك المعلم العجوز الذي كان يعلمك القتال بالسيف كل صباح كما اخبرك هو, أن الاقدار ارسلته لاجل مساعدتك, مخطئة ايتها الذئبة ان ظننتِ ذلك".
"لقد حرصنا على ان تسيري نحو قدرك المكتوب حتى اليوم المنتظر".
ملئت عيناها بالدموع واسرعت في مشيتها, ثم بدأت تجري بحزن والدموع تتساقط على خديها, لم تتوقف حتى وصلت الحقول الواسعة واكملت تقطعها دون توقف.
وبين رحلة الايام وطول سنوات الفراق, بين سمر الليالي وعبق الغسق, وبين قلب يقاتل بين اكوام من اشلاء دماء ودروع, وقلب ينتظر بصمت لحظة ولا يتمناها ان تاتي, لانها يوم ستلتقي به, ستكون النهاية قد خطت سطورها بالدماء.
وفجاة وكما هي حال الاقدار الساخرة, المعطية الينا ما نريده في وقت متاخر, او لاجل ان نراه لاخر مرة, وتجعلنا نتسائل ودموعنا تغسل ملامحنا, ترى اي ذنب اقترفناه !
أنت تقرأ
فُرسانْ المَمْلَكةُ الضَائِعَة
Historical Fictionوبين ثنايا الدهر وحتى في احلك الايام, حين يكسو السواد شعر الارض والمدن, وتُغطى السماء بلون الليل الاسود الداكن, ويوشك اسياد الشر على الانتصار. حينها يرتقي ضوء الحق, وتنافس شمعة الامل رياح الشر وتتشبت بقلوب خير البشر, وتزداد شرارة كلما قست الحياة على...