Part 44: دمعٌ وقبرْ

4.8K 275 77
                                    

حفر بيديه قلباً في جوف جسد الارض, ازاح التراب ينقب عن خبايا ضحكاتها.

جُهزت الاميرة والبسوها ثوب الجمال, فستاناً ابيض انصع من ثلوج الجبال, ووشاح مخملي شفاف يغطي ذلك الوجه المبتسم النائم بهدوء.

ووضعوها في تابوت خشبي صنع لاجلها بأتقان, وقد وضعوا يدها اليسرى على يدها اليمنى واستقلت الايدي على بطنها.

انهى الحفر, وازاح التراب عن ثيابه, وضع سيفه بجانب تابوتها, ثم ركع امامها وراح يحدق اليها, طلب من الفتى الواقف خلفه ان يعطيه الخواتم, ناوله الفتى خاتمان من الذهب, احدهما كان لوالدتها وقد وجدوه في جعبة صغيرة كانت الميتة تحتفظ فيها باغلى مجوهراتها, والاخر خاتم المعلم الذي اعطاه لزوجته قبل ان يسافر نحو حتفه.

لامس يدها اليسرى والبسها الخاتم والدموع تتساقط على يدها لتعطرها بعبق اشواقه, واكمل يرتدي الخاتم دون ان تلبسه اياه, فقد غادرت الروح وعاء جسدها.

وقف الراهب ينظر الى ذلك المشهد المؤلم, مستعيدا في ذكرياته القدر الذي جمعهم فكان ذلك سبب ذلك اللقاء الاستثنائي هو الزهرة التي رهنوا اجسادهم لاجل ايصالها وانقاذ حياة فتاة بريئة.

واليوم يقف وقد امسى رجلا امامها تاركة اياه وهي في ابهى ازدهارها واخضرار ايام ربيع حياتها, فقد باغتها الشتاء بصيف مليئ بالموع وخريف دام لحظات بين ذراعيه وهو يحتضنها, ليسلمها رغماً عن ارادته الى عالم شتاء يقبع خلف المجهول.

تقد الراهب ووقف امام قبرها, ثم بدأ يتلو ترانيم العزاء ويسأل الرب ان يرشدها نحو النور, ويجعلها اميرة في الفردوس العظيم, وليمحنها السعادة الابدية في الحياة الاخرى.

اغلق كتابه ثم تلا صلاته وختمها قائلا "امين". تبعه الحاضرون من عائلة المعلم والمختار يهمسون قائلين "امين".

ركع المختار امامها وقبلها قبلة اخيرة, وبينما نظر الى ملامحها, فتحت ثغرة للذكريات في دماغه تسللت منها جميع اللحظات الهاربة بكل احزانها وافراحها.

تذكر اول لقاء بينهما, وتذكر تصرفاتها في القصر, تذكر الرحلة نحو منزل اوميروس, وكيف قضوا الشتاء هنالك, وحطم قلبه بسبب كلاريس تاركة اياها ضائعا دون علم بما اقترف بحقها, فأتت اليه هذه المسكينة ورضيت بقلبه المحطم الى اشلاء, وبعقله الضائع في ظلمات الشجن.

فأعادت اصلاح قطع قلبه المبعثرة, وتمكنت باصرارها ان تعيد عقله الى عوالم النور والهدوء, ثم وهبته اغلى ما ملكت, جسدها البالغ الصفاء, وعشقها البالغ النقاء, ويوم الوداع حينما تركها وهبتها السماء روحا منه تنمو في احشائها, حتى خرجت ورأت نور الحياة.

فهي التي وهبته كل شي, وهو الذي لم يوفها حقها بأي شي, ولم يصرح بجنون عشقه بها من كل اعماقه, وطوال تلك السنوات انتظرته في بؤس وضياع, متجرعة كأس السم املا حتى يوم اللقاء.

فُرسانْ المَمْلَكةُ الضَائِعَةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن